نقاط ضعف دولة 30 يونيو
صحيح كانت البلد منهكة ومرهقة ولا تحتمل أي خطأ وفِي نفس الوقت كانت تخوض عشرات المعارك في الداخل من فلول الإخوان والإرهاب، وفِي الخارج من علاقات مقطوعة ومتوترة بفعل الدعاية السوداء من التنظيم الدولي للإخوان، وكانت الأحوال الاقتصادية في أسوأ آحوالها، وكانت الرؤية غائمة والفوضي تضرب معظم المرافق
باختصار.. كانت مصر شبه دولة، وأخطر من ذلك أن واضعي الدستور لم يدركوا خطورة الفترة الانتقالية، فوضعوا نصوصا مثالية يصعب تطبيقها، كل ذلك صحيح ومفهوم، ولكن الصحيح أيضا أن التحوط لعدم تكرار ماجري مرة أخري كان مبالغا لدرجة قتل الحياة السياسية وتم مايشبه تأميم الإعلام وغابت الأحزاب بفعل فاعل، وتفرغ البرلمان للموافقة علي التشريعات التي صدرت في غيبته، وبدا أن هناك فرق سرعات بين الرئيس ومساعديه، فالرجل يسابق الزمن والآخرون إما مترددون أو في حالة ارتباك بين البيروقراطية العتيقة والتكيف مع ماراثون الرئيس، وكأن الرئيس هو اللاعب المحترف الوحيد في فريق معظمة من الهواة وهو ما أدي مثلا لتغيير وزيري المالية والزراعة عدة مرات في زمن قصير، ثم تأخر إجراء الانتخابات المحلية لتخفيف الضغط علي الأجهزة التنفيذية وبدت الأمور تسير عكس نصوص الدستور، التي قالت بتغيير الفلسفة من الدولة المركزية للمحليات، لدرجة أن الدستور يتكلم عن تحويل الموازنات من القاهرة للمحليات، وهو ما لم يحدث حتي الآن، وبدا أن التغيير لم يطرق أبواب كافة هذه المؤسسات، بل العكس هو ماحدث، انطوت هذه المؤسسات وانكفأت علي ذاتها ودارت حول الشخص الذي يقودها، وكل هؤلاء الأشخاص من فرط بقائهم في السلطة كان العمر قد تقدم بهم وكانت الشيخوخة ولواحقها من العجز والضعف وغياب المبادرة وخفوت الهمة قد ألمت بهم.
اقرأ ايضا: مولانا الوزير
ثم إن العجز في الموازنة أكبر ميزانية لمصر هى بـ 1728 مليار جنيه ... تشمل كل حاجة فى دولة يسكنها 100 مليون واحد ... يعنى حوالى 94 مليار دولار..والمصالح الحكومية في مصر مازالت شيئا عقيما، فالانتظار لساعات ضائعة هؤلاء جميعاً يعملون عند الشعب، ولا يعمل عندهم الشعب. ويستمدون المهابة والاحترام ليس من أشخاصهم و ذواتهم ولكن من مقدار السلطة العامة الممنوحة لهم علي سبيل التأقيت وليس الدوام والتخليد، وهم في كل الأحوال يتقاضون رواتب مالية بصفة شهرية من مال الشعب في مقابل تفرغهم لأداء المكلفين به من واجبات عامة رغم أن الحل بسيط في ميكنة الأجهزة والمؤسسات و حالة الإنكار من جانب السلطة "حكومة وبرلمان" بوجود أزمة من الاساس، هذا المشهد ربما يُصدر لبث الطمأنينة في نفوس الناس، إلا أنه أصابهم بالقلق والخوف من المستقبل وعدم الرضا ، بعدما تحولت الحكومة من مؤسسة لتوفير حياة أفضل للمصريين إلي كيان للجباية وفِي نفس الوقت إنكار معاناة الناس والتركيز فقط على ذكر الانجازات.
اقرأ أيضا: مدرسة السد العالي المهنية
يزيد الغضب ويوسع دائرة عدم المصداقية وتشويه أى أحد ينتقد أى سلبيات واتهامه بأنه عميل أو إخوان سواء من فئة الأوصياء أو من بعض المحامين برفع قضايا لمجرد كتابة بوست أو إبداء رأي. يغلق كل المنافذ للتعبير عن الرأي وكان باتجاه لتحرير الاقتصاد مفاجئا بدون تمهيد مما أدي لتدمير الطبقة المتوسطة وتأتي الثقافة والإعلام نقطة ضعف قاتلة في دولة 30 يونيو .. وللأسف حتى الآن لا توجد رؤية حقيقية رغم أننا نملك من الأدوات والطاقات ما يمكننا من عملية تنوير شاملة وإحداث طفرة كبيرة في مستوى الوعي الجمعي في فترة وجيزة ، الغريب أن القيادة السياسية لديها إرادة من حديد ، وأخيرا يأتي التلكؤ في منح بعض الفئات حقوقهم كأصحاب المعاشات يترك فئة عريضة من المجتمع (١٠) ملايين تشعر بالغبن، ورغم ذلك فإن الجزء الغاطس من سفينة الأحداث يروى بطولات لرجال الدولة المصرية بكل مؤسساتها فى التصدى للمتربصين بها.