هل فيروس كورونا سلاح بيولوجي مصنع؟
بعد الانتشار السريع لفيروس كورونا الجديد والمميت في الصين، أثير طوفان من نظريات المؤامرة التي ادعى بعضها أن هذا الفيروس الجديد هو سلاح بيولوجي من تصميم الإنسان وليس مجرد تحول طبيعي.
ووفقا لمجلة ”فورين بوليسي“، لا يزال هناك الكثير من المعلومات غير المعروفة حول هذا الفيروس، لكن الباحثين يقولون إنه يشبه متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس)، وهما مرضان معديان ظهرا في العقود الأخيرة ولكن تمت إدارتهما.
مختبر عسكري
ومع ذلك لم تنجح هذه التصريحات في تهدئة نظريات المؤامرة، وفي يوم الأحد، نشرت صحيفة ”واشنطن تايمز“، مقالا تزعم فيه أن تفشي الفيروس يمكن أن يكون مرتبطا بمختبر عسكري في ووهان.
واقترح المقال أن المختبر الذي تديره الحكومة، وهو ”معهد ووهان لعلم الفيروسات“، ربما كان يدرس تسليح فيروس كورونا، قبل أن يتسبب في تفشي الوباء، ولكن الأساس الوحيد لهذا الادعاء هو اقتباس من ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق ”داني شوهام“، الذي لديه خبرة في الحرب البيولوجية.
وقال ”شوهام“ للتايمز: ”من المحتمل أن بعض المختبرات في المعهد كانت تعمل على الأسلحة البيولوجية الصينية، على الأقل بشكل جانبي، ولكن ليس كمؤسسة رئيسية لتصنيع الأسلحة البيولوجية الصينية“.
في حين أن شوهام لم يقدم أي أدلة تدعم هذه الادعاءات، والتي تشير إلى أن تفشي المرض نشأ عن سلاح بيولوجي، إلا أن منافذ إعلامية أخرى تناولت القصة وأضافت إليها.
ونشرت محطة إذاعة ”KPRC“ في ولاية تكساس الأمريكية، القصة على موقعها، وخلصت إلى أن ”بعض خبراء المخابرات يعتقدون أن قسم الأسلحة البيولوجية التابع للجيش الصيني قد يكون مسؤولا“، وفجأة تحولت تكهنات ضابط سابق إلى رأي ”خبراء استخبارات“.
من جانبها أضافت ”كانديس مالكولم“ كاتبة العمود في صحيفة ”تورنتو صن“ النظرية في برنامجها على يوتيوب، متسائلة: ”لماذا لا تتحدث وسائل الإعلام الرئيسية عن أصل هذا الفيروس القاتل؟ هل يمكن ربطه ببرنامج الحرب البيولوجية في الصين؟“.
وكل هذا بناء على تخمين رجل واحد، ولا تعتبر هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها شوهام نظريات خيالية دون جدوى، ففي عام 2017 ، ذهب إلى ”راديو سبوتنيك“ الروسي، وأشار إلى أن تنظيم داعش قد نقل على الأرجح الأسلحة الكيميائية إلى خلاياه النائمة في الغرب.
وبدأ موقع ”GreatGameIndia“، وهو موقع صغير لنظريات المؤامرة، والذي، من بين أمور أخرى، اقترح أن المخابرات البريطانية مسؤولة عن إسقاط الطائرة الماليزية رقم 17 فوق أوكرانيا في عام 2014، نشر تقارير الأسبوع الماضي تدعي أن الباحثين الكنديين باعوا هذه السلالة من فيروس كورونا إلى الصين.
كما كتبت المؤسسة المشاركة ورئيسة تحرير موقع ”مركز أبحاث العولمة“ الإلكتروني والذي يتخذ من مدينة مونتريال الكندية مقرا له، والذي سبق حدده الناتو باعتباره مروجا للدعاية الروسية والسوري، مقالات تلقي باللوم على ”شيناغو تشيو“، الباحثة السابقة في ”المختبر الوطني للميكروبيولوجيا“ في مدينة وينيبيغ الكندية، وهو مختبر تديره الحكومة وكان رائدا في مجال اللقاحات والعلاجات لمختلف الأمراض المعدية، بما في ذلك الإيبولا.
يذكر أنه في حين أنه قد تم مرافقتها من المختبر في العام الماضي من قِبل شرطة الخيالة الكندية الملكية، لا يبدو أن هناك علاقة للأمن الوطني بالحادث، ولم يتم تقديم اتهامات لها، ويقول من هم على دراية بالأمر إنها كانت مسألة بروتوكولية على الأرجح وتتعلق بالوثائق، وفي الواقع، كانت تشيو تعمل على نطاق واسع مع المعامل في الصين لتطوير علاجات للأمراض القاتلة والمعدية.
وعلى الرغم من أن الادعاءات المقدمة على ”GreatGameIndia“ غير صحيحة بشكل واضح، فقد كانت الشحنة المفترضة لفيروس كورونا في عام 2018 تتضمن سلالة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وليست فيروس كورونا الجديد الذي شوهد حاليا في ووهان، إلا أنها انتشرت إلى موقع آخر لنظريات المؤامرة وهو ”زيرو هيدج“، الذي يتابعه 670 ألف متابع على تويتر ويزور الملايين مدونته.
6 آلاف مشاركة
وكما هو متوقع تمت مشاركة منشوره حول النظرية التي لا أساس لها أكثر من 6 آلاف مرة على فيسبوك ومئات المرات على تويتر، بما في ذلك الكاتب الصحفي لصحيفة تورونتو صن ”طارق فتح“، وامتدت الادعاءات منذ ذلك الحين إلى شبكة من المواقع الأخرى الأقل شهرة.
وقال ”ديفيد فيسمان“، أستاذ علم الأوبئة في كلية ”دالا لانا“ للصحة العامة بجامعة تورنتو، إن هذا الفيروس جديد بالتأكيد، والفيروسات الجديدة، وخاصة تلك التي تنتشر بسرعة، يمكن أن تسبب الذعر.
وشرح: ”هذا الذعر يؤدي إلى تفكير الناس في نظريات المؤامرة، ولكن الأمراض التي تتحور وتنتشر بسرعة هي ببساطة جزء من الطبيعة، هذا هو مجال علم كامل يدعى الأمراض المعدية الناشئة“.
ولا يعتبر هذا الادعاء جديدا، ففي عام 2003، أثناء انتشار فيروس السارس، نشر مركز أبحاث مؤسسة ”جيمستاون“ تحليلا يوحي بأنه ”توجد أسباب مقنعة ومقلقة للتساؤل عما إذا كان هناك أي صلة بين السارس وتطوير الصين للأسلحة البيولوجية الصينية“.
800 ألف قتيل
ولا تعتبر نظرية الأسلحة البيولوجية هي نظرية المؤامرة الوحيدة المنتشرة، فقد جمع موقع ”باز فيد نيوز“ قائمة تضم 19 خرافة وصور مزيفة وأكاذيب واضحة تتعلق بتفشي فيروس كورونا.
وبالطبع تداولت مواقع التحضير لنهاية العالم، والتي تستهدف أولئك الذين يستعدون بقلق شديد لنهاية العالم وحالات الطوارئ الأخرى الواسعة الانتشار، أخبار انتشار المرض بكثافة عالية، محذرين من أن نطاق انتشار المرض قد ينافس انتشار الأنفلونزا الإسبانية.
وكان ”إنفو وورز“، وهو موقع لنظريات المؤامرة يديره ”أليكس جونز“ والذي حصل سابقا على الدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من بين الذين نشروا الأكاذيب واخترعوا إحصائيات حول تفشي المرض.
وفي ”ريدت“، ظهرت مناقشات متعددة مكرسة لتفشي فيروس كورونا، وسرعان ما أصبحت محاور للقلق والذعر، وكان المستخدمون ينشرون تفاصيل عن الرحلات القادمة من الصين ويشجعون الناس على تخزين البضائع.
وبدأ أحد المستخدمين في تصميم رسومات بيانية تُصوِّر تفشي المرض، وخلص إلى أن عدد القتلى ”الحقيقي“ استنادا إلى مواقع التواصل الاجتماعي يتجاوز 8 آلاف شخص.
وتؤكد هذه الرسوم البيانية، والتي بدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه سيكون هناك 11.5 مليون حالة من فيروس كورونا بحلول الشهر المقبل، مع أكثر من 800 ألف قتيل.
وقال فيسمان: ”هذه الإحصائيات مرعبة، ولكن هذا الانتشار الأسي هو ما سيحدث إذا لم نتخذ أي إجراءات لاحتواء الوباء“.
وشرح أن هذا ما يُطلق عليه ”قانون فار“، والذي يحمل اسم عالم الأوبئة البريطاني الشهير، وهو يوضح أنه مع تغير السلوك البشري في خضم تفشي المرض واتخاذ الإجراءات الصحية، تستقر مستويات الانتشار ثم تنخفض.
وعلى الرغم من أنه قد تم إساءة استخدامه في الماضي، إلا أنه يعد مؤشرا جيدا على كيفية وقف تفشي المرض.
وندد فيسمان بالرسم البياني المذكور، وقال: ”من غير الصحيح نشر هذا النوع من المعلومات الخاطئة، فهذا الأمر لا يحدث لأننا نتدخل“.
وفي حين ينتشر فيروس كورونا الجديد بسرعة بلا شك، إلا أن هذه الإحصائيات تستحق التدقيق في السياق المناسب، فهناك ما يقرب من 100 ألف حالة إصابة بالأنفلونزا A و B، والتي تسبب الأنفلونزا الشائعة، في الولايات المتحدة منذ بدء موسم الأنفلونزا في أواخر سبتمبر 2019، والتي أدت إلى 54 حالة وفاة للأطفال.
ولا يزال من غير الواضح كيف يُقارن تفشي فيروس كورونا هذا بالسارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ولكن كلا الحالتين يوفران بعض الإطار المرجعي، فقد أنتج اندلاع السارس في نوفمبر 2002، والذي استمر حتى يوليو التالي، عن أكثر من 8 آلاف حالة اصابة وحوالي 775 حالة وفاة في أكثر من عشرين دولة، ويذكر أن الاستجابة لهذا الوباء كانت معيبة، وتأخرت بسبب جهود بكين للتستر على مدى تفشي الفيروس.
وتم اكتشاف متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في الخليج العربي لأول مرة في عام 2012، ومنذ ذلك الحين شهد بؤر انتشار متفرقة، وخلال السنوات الثماني الماضية، كان هناك ما يقرب من 2500 حالة مؤكدة وأكثر من 850 حالة وفاة في أكثر من عشرين دولة.
وبالنسبة إلى السارس، فإن قيمة ”R0″، وهي تقدير عدد الأشخاص الذين يمكن لكل شخص مصاب نقل الفيروس إليهم، تتراوح بين 2 و 5.
أما فيما يتعلق بالفيروس الجديد، تبدو قيمة R0 متشابهة، ولكنها في الحقيقة أقل من ذلك، إذ قالت ”نانسي ميسونير“، مديرة المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها والمركز الوطني للتحصين وأمراض الجهاز التنفسي، في مؤتمر صحفي يوم الاثنين: ”معظم الأدلة تشير إلى أن قيمة R0 لفيروس كورونا الجديد تتراوح بين 1.5 و3“.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد يبدو مثيرا للقلق، إلا أنه لا يروي القصة كاملة، حيث هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار.
وشرحت ”ميا ماجومدر“، من برنامج المعلومات الصحية في مستشفى بوسطن للأطفال يوم السبت على تويتر: ”تقديرات R0 لفيروس السارس تتراوح بين 2 و5، بينما تبلغ حوالي 1.3 في المتوسط فقط للإنفونزا الموسمية، ومع ذلك تسبب الإنفلونزا ملايين الحالات سنويا في حين سبب السارس 10 آلاف حالة فقط“.
في حديثها إلى المجلة، أشارت ”ماجومدر“ إلى أن تقدير قيمة R0 لفيروس كورونا بحوالي 2 في الصين قبل تنبيه الجمهور بوجوده، لا يعني أنه سيستمر في الانتشار بهذه الوتيرة، وقالت: ”لا ينبغي التعامل مع الأمر على أنه من الثوابت الطبيعية؛ إنه يختلف اختلافا كبيرا من مكان إلى آخر بسبب الممارسات الاجتماعية والاختلافات البيئية وما إلى ذلك“.
أسرع من المتوقع
ويبدو أن الفيروس قد انتشر بشكل أسرع من الاعتقادات الأولية، ويقدر الباحثون في هونغ كونغ أن العدد الحقيقي للحالات قد وصل إلى 40 ألفا في ووهان وحدها، ومن جانبه أكد فيسمان أن هذا ”التقدير أصح“، وأشار أنه شخصيا يعتقد أن العدد الفعلي للحالات أقرب إلى 15 ألفا، مشيرا إلى أن هناك جانبا آخر للأمر.
وقال: ”إذا كان هناك مجموعة كاملة من الحالات التي لم تكتشف بعد، فهذا يعني أن معدل الوفيات التراكمي مرتفع للغاية، فبمعنى آخر، إذا كانت الحالات غير المُشخصة خفيفة إلى درجة أن الأشخاص المصابين لا يعرفون أنهم مصابون، فهذا يعني أن نطاق تفشي المرض أوسع، ولكنه أقل فتكا مما يوحي به عدد الحالات المؤكدة“.