براءة عبد الناصر من دم المفتي
كان الدكتور أنور المفتي، رحمه الله، من أعظم أطباء عصره.. وكانت وفاته المفاجئة دافعًا للكثيرين، من أعداء مصر وعبد الناصر، لنثر الشائعات حول تعرضه للاغتيال بالسم!!
ولد المفتي بالقاهرة في مارس 1913.. حصل على الثانوية العامة عام 1935. وكان الأول على دفعته طوال سني دراسته، والتحق بقسم الكيمياء الحيوية، وعمل بقسم الأمراض الباطنة كطبيب امتياز، ثم سافر للدراسة بكلية هامرسميث للدراسات العليا بلندن، وجامعة متخصصة في نيويورك، وعاد إلى مصر بعد أن حصل على الدكتوراه في الأمراض الباطنية عام 1940.
عمل بقصر العيني مدرسًا فأستاذًا للأمراض الباطنية، ومن حظه في دراسته الطبية بمصر أن درس على يد "الدكتور عبد العزيز باشا إسماعيل"، والد تلميذه ومساعده "الدكتور أحمد عبد العزيز". عُرِف المفتي بين الأطباء بأنه صاحب "مدرسة التمثيل الغذائي".
وبحوثه عن أمراض؛ السكر وضغط الدم وتصلب الشرايين، فريدة من نوعها في العالم. وحقق فيها انتصارات هائلة على المستوى العالمي، وأغرب هذه البحوث ما اكتشفه لعلاج البلهارسيا، حيث اكتشف أن مادة "الدبتركس" التي يستخدمها الفلاح المصري للقضاء على آفات القطن لها نفس تركيب مادة قاتلة للبلهارسيا فلجأ إلى استخدامها في علاج البلهارسيا، وكانت دهشة كبرى من فلاحي قرية "سحالي" بالبحيرة التي عاش فيها بينهم لفترة غير قصيرة، وكانت دهشة كبرى لزملائه الأطباء المعالجين، وأثبتت معامل التحاليل صدق نتائج د. المفتي، التي تُرسل إليها حول مادة "الدبرتكس" المضادة لدودة القطن.
اقرأ أيضا: المستشار عمر.. "حدوتة مصرية" في قلب أفريقيا
ارتبط اسمه بالعديد من البحوث التي أكسبته شهرة عالمية؛ في مقدمتها: ديناميكية الدهنيات في الجسم، فكان المعتقد الشائع أن "السكريات" هي الوقود الرئيسي في الجسم، وجاء المفتي ليثبت أن "الدهنيات" هي المصدر الرئيسي في الجسم، وأن حركة الدهنيات في الدم أسرع من حركة السكريات 20 مرة.
ونجح في علاج نحو 40 من حالات الصداع النصفي باستعمال نفس الدواء الذي يستخدم في علاج السل، وكان أول من نبه إلى استعمال الجلسرين في حالات الغيبوبة السكرية دون حقن المريض بالأنسولين، وذلك في الحالات البسيطة. أما في الحالات المتقدمة فيمكن استخدام الجلسرين مع كمية محدودة من الأنسولين.
ونجح أيضا في استخدام وصفة شعبية في علاج العقم عند النساء عن طريق وضع طلع النخل في شكل لبوس، واكتشف أن طلع النخل به هرمونات لها تأثيرها على السيدات.
اقرأ أيضا
"أبو فاشا".. شاعر الإذاعة في عهدها الذهبي
اهتم بأحوال الفلاحين، واهتم بالقرية المصرية، وأجرى العديد من البحوث في "قرية سحالي" بالبحيرة، وكان يقضي أيام الصيف في هذه القرية، عاش ونام وأكل مع الفلاحين وصادقهم بإخلاص وحب وعطف، ترك زوجته وأولاده وابنته في القاهرة، وعاش بين الفلاحين، واستقر رأي الفلاحين على أن يغيروا اسم قريتهم من "سحالي" إلى "الدكتور أنور المفتي".
وفي آخر ساعاته في الدنيا؛ خرج من عمارة "اللواء" حيث توجد عيادته، وفتح باب منزله بيده للمرة الأخيرة، وآوى إلى فراشه بعد أن أوصى زوجته "فاطمة" بأن توقظه فيما بعد لتناول السحور ليبدأ صيام رمضان مع فجر اليوم التالي، وغطى وجهه استعدادًا للنوم، وذهبت فاطمة، إلى غرفة مجاورة لتعود بعد لحظة فتسمع لزوجها شخيرًا عجيبًا، فانتابها الخوف عليه، وأسرعت نحوه لتوقظه فوجدته قد لبى نداء خالقه.
رحل "أنور المفتي" يوم 16 يناير 1964، في أول أيام "رمضان"..
كتب عنه صديقه الكاتب الصحفي بالأهرام "صلاح جلال"، في كتابه "أطباء مصر كما عرفتهم".. بالحرف الواحد: "لم يترك أنور المفتي بعد وفاته في يناير عام 1964 لأولاده الأربعة – ابنتين وابنين أكبرهم في السابعة عشرة وأصغرهم في الثامنة ولزوجته – إلا بحوثه ودراساته واكتشافاته ومعاشه من الدولة وقدره أربعون جنيها في الشهر".
ويقول "الدكتور مصطفى الديواني" عن لحظات تشييع جثمان الدكتور "أنور المفتي": "وقفت مع الألوف المؤلفة عند باب مسجد عمر مكرم أنتظر لحظة خروج النعش الغالي، ونزل به أحباؤه الذين حملوه درجات السلم في هدوء وانكسار". وهذه الألوف المؤلفة التي هرعت لتشييع جثمان الدكتور "المفتي"، وهذا الهدوء والانكسار اللذان اكتست بهما وجوه أحبائه الذين نزلوا بالجثمان درجات سلم مسجد عمر مكرم تفسر الشائعات التي انطلقت فور وفاة أصغر عباقرة الطب في مصر، كان يشرف على علاج عبد الناصر الذي كان مريضا بالسكر، وقال الشائعات إن "المفتي" أفلت لسانه بمرض عبد الناصر في إحدى جلساته بأحد النوادي، وتكمل الشائعات مسيرتها فتقول إن "الدكتور المفتي" بعد أن عاد إلى بيته نظر في عينيه في المرآة، وقال لمعاونه: "الدكتور أحمد عبد العزيز"ابن أستاذه "الدكتور عبد العزيز إسماعيل": البركة فيك، وأسلم الروح.
ويقول: "الدكتور منصور فايز" في كتابه "مشواري مع عبد الناصر": "بعد ثلاثة شهور من وفاة المرحوم الدكتور "أنور المفتي" طُلب منه الإشراف على علاج الرئيس".
ويضيف د. فايز، حول الشائعات.. ".. أن المرحوم الدكتور أنور المفتي قد مات مسمومًا عقب تناول كوب من عصير الجوافة في منزل جمال عبد الناصر، وأن ذلك كان بتدبير "صلاح نصر" مدير المخابرات العامة في ذلك الوقت".
الدكتور منصور عبد الرحمن فايز الذي أشرف على علاج "جمال عبد الناصر" بعد رحيل المفتي بثلاثة شهور يرى "أن هذه الشائعات مغرضة ومقصودة حول أطباء الرئيس".
حتى في مسلسل عن قصة حياة طبيب عبد الناصر، أذاعته شبكة "الشرق الأوسط"، تكررت تلك الشائعة.. وقد حان الوقت لتصويب كل هذه الأخطاء التي استهدفت النيل من الزعيم الراحل.