مؤامرة القرن
من محاولة تحرير استعراضية فاشلة فى ١٩٤٨ إلى نظرية الأرض مقابل السلام؛ مرورا باتساع رقعة الاستيطان عقب هزيمة ١٩٦٧ ثم فرض الأمر الواقع بعد كامب ديفيد، وصولا إلى مفهوم جديد لحل مشكلات الشعوب المسلوبة أوطانها؛ "الأرض مقابل الفلوس"؛ الذي يعلنه ترامب الآن؛ عاشت وتعيش فلسطين.
فلسفة جديدة لا تجد لها تطبيقا إلا مع رجل يقرأ الواقع على طريقته الخاصة، كل شيء بنظره له ثمن؛ لا احتساب لقيمة عنده؛ حتى الأوطان، ولا اعتبار لتاريخ نضالي بتفكيره؛ ولو فى أرض ارتوت ولا تزال بدماء شهيدات وشهداء رضع وأطفال وشباب ونساء ومشايخ.
الوحش الكوني الجديد ترامب؛ لا مثيل لهيئته ونظريته وفلسفته، ولا عبقرية تتجاوز سرعة أفكاره، وفرصة تطبيقها أنه أتى بها فى توقيت تتمزق فيه أوطان لم تلبث أن عاشت نصف قرن من الهدنة مع استعمار عسكري اقتصادي ثقافي مباشر، حتى احتوت شعوبها أفكارا داعية لاسترجاعه بصور مختلفة؛ فبات المشهد هكذا فى العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان وغيرها، أو هى عقوبة ذاتية لمن خضعوا أو أخضعوا لديكتاتوريات وأنظمة؛ استدعى فشلها فى إدارة شؤون أوطانها داخل حدودها التحكم والتلاعب الخارجي بمصائرها.
اقراء ايضا:ساديو مانى يستحقها
المؤامرة الجديدة على فلسطين؛ أمريكية خالصة بامتياز، لا يمكن انتظار شيء سوى النضال الفلسطيني وحده فى مواجهتها، وهى حقيقة لا أتوقع معها جديدا مغايرا لواقع مستمر من الانفراد الفلسطيني بدور المقاومة للمستعمر المستوطن؛ ولكنها اللحظة التى لا ينتظر فيها فلسطيني دعما دبلوماسيا أو خطاب شجب وإدانة واستنكار، هى لحظة مقاومة قادمة مستمرة خالصة من كل رياء عربي ونفاق عالمي.
"الأرض مقابل الفلوس"؛ و"المال مقابل الحماية"؛ و"استعادة العجرفة التاريخية مقابل النفوذ المقيد"، نظريات يطبقها ترامب مع أنظمة ودول وقوى إقليمية؛ يعرف تماما أن غايتها ومبرر وجودها هو المال والسيطرة، لذا؛ تجد سياساته ناجحة مع هؤلاء وأولئك، لكنها المعضلة فلسطين؛ التى منح التاريخ شعبها زهدا فى الدنيا ولهفة للاستشهاد وكرامة فى حمل السلاح والدفاع عن النفس والأرض.
اقراء ايضا:معرض الكتاب وتحديات غير محسومة
تفاصيل كثيرة عن خصائص هذا الشعب لا يدركها ترامب ورفيقه الصهيوني وهما يعلنان بالأمس أن عشرات المليارات من الدولارات تكفى لإنهاء القضية بصفقة "الفرصة الأخيرة" للفلسطينيين كما تحلو لهما تسميتها، وربما كانت المرحلة الأكثر حرجا لتاريخ الشعب الأمريكي نفسه؛ وهو يشاهد ويستمع إلى فرضيات رئيسه المستدعى لمحاكمة؛ يتحدث فيها عن تجاوز القانون الدولي والإنساني وخرق مبدأ حق الشعوب فى تقرير مصيرها؛ ويزحزح حدود أوطان بقوة السلاح وغطرسة وإغراءات المال.
المؤامرة الجديدة على المنطقة كلها؛ ليست فى كسب مساحة من الأرض لطرف على حساب أصحابها؛ بل فى فرض لاعب وحيد على أرضية جديدة ممتدة من الهيمنة السياسية والعسكرية، فما بالك من هذا اللاعب أن يكون كيانا استعماريا تحالفت كل قوى الشر التاريخية لغرسه شوكة في ظهر شعوب المنطقة حتى تفتت ظهرها.
الرهان على النضال الفلسطيني وحده مستمر وعائد بقوة؛ مع توحد موقف القيادة السياسية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولو أن دعما عربيا ودوليا غائبا عنه؛ فعقود مضت اعتاد معها هذا الشعب الانفراد بحاله ونضاله غير مبال بمؤتمرات المزايدة أو خطابات الاستهلاك السياسي لقضيته، ولتكن الأيام والسنوات شاهدة على إرادته؛ وكفى.