رئيس التحرير
عصام كامل

ردًا على تدخله في الحرب الأهلية السورية.. دول الخليج بصدد فرض عقوبات على "حزب الله".. والقرار يمثل ضربة اقتصادية موجعة للبنان

حزب الله - صورة أرشيفية
حزب الله - صورة أرشيفية

تلقت الهيئات الاقتصادية في لبنان باهتمام كبير قرار مجلس دول التعاون الخليجي بإدانة تدخل حزب الله في القتال في سوريا، ودعوة المجلس الحكومة اللبنانية إلى تحمل مسئولياتها تجاه سلوك الحزب وممارساته، وإعلان المجلس عزم دول الخليج اتخاذ إجراءات ضد منتسبي حزب الله في عقود عملهم وإقاماتهم وكل معاملاتهم المالية والتجارية، وبدأت هذه الهيئات تدرس الانعكاسات السلبية لهذا القرار على مسيرة الاقتصاد اللبناني بشكل عام والضرر الذي سيلحق بعدد كبير من اللبنانيين العاملين في دول الخليج.


ووعدت دول الخليج أول أمس الاثنين بفرض عقوبات على أعضاء حزب الله اللبناني ردا على تدخله في الحرب الأهلية السورية إلى جانب الرئيس بشار الأسد. وقال بيان للمجلس: إن المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون قرر اتخاذ إجراءات ضد المنتسبين إلى حزب الله في دول المجلس، سواءَ في إقاماتهم أو معاملاتهم المالية والتجارية.

ويسود القطاع المالي والمصرفي اللبناني قلق متزايد من النتائج السلبية المرتقبة جراء تأثير الموقف الخليجي على حركة التدفق المالي بين دول الخليج ولبنان، خصوصًا وأن نحو 70 % من الأموال التي يتلقاها لبنان مصدرها دول مجلس التعاون الخليجى حسب تقديرات محللين، وهي تساهم بزيادة حجم ودائع المصارف اللبنانية التي تعتبر الممول الرئيسي لإنفاق الدولة واستثمار المشاريع في القطاع الخاص، وقد بدأ ينعكس ذلك سلبًا في تراجع اكتتاب القطاع المصرفي بسندات الخزينة، وحلول البنك المركزي مكانه، خلافًا لنصيحة صندوق النقد الدولي التي تبلغها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لجهة ضرورة خفض حصة المركزي في الديون السيادية للدولة.

ورغم الإغراءات التي قدمها مصرف لبنان باستعداده لحسم شهادات الإيداع للمصارف الراغبة في الاكتتاب في الإصدار، ورغم من أن هذا المفهوم المالي يحقق أرباحًا إضافية للمكتتبين من دون الحاجة إلى رفع أسعار الفوائد، فقد كان الطلب على بيع السندات يتجاوز عرض الشراء بأضعاف في الإصدار الذي تم في نهاية الأسبوع الماضي، واضطر مصرف لبنان إلى تغطية نحو نصف قيمته البالغة 900 مليار ليرة لبنانية.

وإذا أوحى هذا إلى وجود جزء من الثقة، فإنه في الوقت نفسه أشار إلى أن جزءًا آخر قد انهار، ولكن تبقى المشكلة بأن قلق رجال المال والأعمال لا يرتبط بما جرى، بل بما قد يحدث في الأيام المقبلة، وهو مرتبط بمؤشرات ميدانية، تتعلق بمناخ الثقة المرتبط بالرؤية المستقبلية، خصوصًا وأن هذه المؤشرات قد اقتربت من أدنى مستوياتها في ظل العملية الممنهجة لإضعاف الدولة، وإشاعة الانطباع العام بأن البلد صار غابة من الفوضى لا أحد يستطيع فيها أن يعطي ضمانة لأحد.

تحويلات اللبنانيين

وفق تقرير للبنك الدولي، بلغ حجم التحويلات التي تلقاها لبنان في العام 2012، نحو 7.4 مليارات دولار، وهو يحتل المرتبة 16 عالميًا، والمرتبة العاشرة بين الاقتصادات النامية بالنسبة لحجم تحويل الأموال، وتم تصنيفه ثاني أكبر متلق للتحويلات بين 14 دولة عربية، والثالث بين 47 دولة تصنف ضمن الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع.

وساهم هذا التدفق المالي (وفق إحصاءات مصرف لبنان) بزيادة موجودات المصارف التجارية بمقدار 10.7 مليارات دولار لتصل لأكثر من 155 مليارًا بنهاية آذار ( مارس ) 2013، بنسبة زيادة 7.4 % خلال سنة كاملة، وزادت الودائع خلال الفترة ذاتها بنسبة 7.8 % وبمقدار 9.7 مليارات إلى 134.4 مليار دولار، مع العلم أن ودائع العملاء تشكل أكثر من 80 % من مصادر أموال المصارف، التي أعطت الحياة للدورة المالية في القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يفسر قدرة الدولة على الاقتراض بفوائد مقبولة قياسًا بدقة الوضع السائد، ومنها الفائدة الأخيرة على سندات العشر سنوات والتي بلغت 8.24 %، ولوحظ أن تسليفات القطاع المصرفي في فترة السنة المشار إليها، زادت 6.7 مليارات دولار من 71.6 مليار دولار بنهاية مارس 2012 إلى 78.3 مليار دولار بنهاية مارس 2013، وكان نصيب القطاع العام من الزيادة 3 مليارات، إلى 32.5 مليار دولار، والقطاع الخاص 3.7 مليارات إلى 45.8 مليار دولار، وهكذا تم توزيع التمويل المصرفي بنسبة 58.5 % للقطاع الخاص، مقابل 41.5 % للقطاع العام.

الموقف الخليجي

من الطبيعي أن يؤدي الموقف الخليجي لجهة اعتبار حزب الله منظمة إرهابية لتأثيرات، فالحزب مكون أساسي من مكونات الحكومة ومجلس النواب، فضلًا عن تمثيله لشريحة كبيرة من الشعب اللبناني، وهو يؤثر بسلاحه ميدانيًا على الأراضي اللبنانية، وقد دخل بقوة في القتال إلى جانب النظام في سوريا، ومن الطبيعي أن يؤثر هذا الموقف وتداعياته السلبية على حركة التحويلات المالية للبنان لاسيما بعدما طلبت دول الخليج من رعاياها عدم السفر إلى لبنان وطلبت من الموجودين على الأراضي اللبنانية مغادرتها، وذلك حفاظًا على سلامتهم بسبب الأخطار المحدقة بالبلد.

وما يمكن أن يستتبع ذلك بخطوات متتالية بدأت مؤخرًا بإبعاد عدد من اللبنانيين العاملين في بلدان الخليج وإنهاء عقود عملهم، ولأسباب وصفت بأنها "أمنية"، وتبرز خطورة هذه الخطوات واحتمالات تصعيدها في حال تعمق التورط اللبناني في الحرب السورية، مع الإشارة إلى أهمية القوى اللبنانية العاملة في الخليج كونها المصدر المالي الأول لتدفق الودائع إلى لبنان، وأي مس بهذا المصدر، من شأنه أن يضرب المعادلة المالية القائمة على تمويل الدولة والقطاع الخاص.

وما يزيد الوضع المالي خطورة، استمرار ضعف الدولة في تفككها الأمني والسياسي، فضلًا عن أنها مستمرة من دون موازنة منذ سنوات عدة، وقد أظهرت الأرقام الأخيرة أن العجز المالي إلى ازدياد بسبب ارتفاع الإنفاق العام غير المجدي، وفي حين أن مشروع الموازنة لعام 2013 المجمد يتضمن مجموعة مقترحات لزيادة المداخيل ومنع تفاقم نسبة العجز، يلاحظ أن تراجع المؤشرات الاقتصادية يؤدي إلى خفض الإيرادات وضرب بنية المؤسسات، كذلك فإن تراجع الإنتاج الوطني على مستوى معظم القطاعات، هو من العناصر التي يتم اعتمادها لاحتساب ما يسمى الاقتصاد الحقيقي، وهذا التراجع يساهم بدوره في زيادة المخاطر على المستوى المالي العام.

المقترض يحمي المقرض

يستدل من كل تلك التطورات أن خزينة الدولة هي في عجز دائم ومتزايد، وبحاجة مستمرة للاقتراض لتمويل إنفاقها الذي ساهم برفع حجم الدين العام إلى 58 مليار دولار، والمسئولون في الدولة وفي مصرف لبنان يذكّرون المصارف بأن الجميع في مركب واحد، وبالتالي أي خلل إضافي في المالية العامة عبر تفشيل الإصدار الحكومي للسندات من شأنه أن يوجه رسالة سيئة إلى الداخل والخارج، ويزعزع الثقة بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وهذا الأمر لا يفيد أحدًا، خصوصًا المصارف التي يشبه وضعها وضع " أي مقرض يحمي المقترض "، حرصًا منه على عدم ضياع أمواله في حال الإفلاس.

وفي الوقت الذي يعترف فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بارتفاع نسبة المخاطر التي يحملها لبنان والتي تعود لأوضاع المنطقة، فهو يشدد على ضرورة استقرار سوق الفوائد عند مستوياتها الحالية، بانتظار أن تتبلور أكثر صورة الأوضاع الإقليمية المحيطة بلبنان، ويعتبر أن الوقت غير موات لتعديل الأسعار، مؤكدًا " نحن نقّيم مستوى الفوائد الحالي بكونه يعكس مخاطر السوق، وهذه المخاطر لم ترتفع بالنسبة التي تبرر ارتفاعًا في الفوائد ".

وخلافًا لتأييده المصارف المركزية في أوربا لجهة ضرورة اكتتابها في سندات سيادية أوربية للتخفيف من حدة أزمتها المالية، فقد طلب صندوق النقد الدولي من الدولة اللبنانية خفض اعتمادها على مصرف لبنان في تمويل حاجاتها، لكن الحاكم رياض سلامة لم يهتم بهذا الطلب مؤكدًا "حرص مصرف لبنان على ملاءة الدولة، خصوصًا وأن السياسة المتبعة منذ سنوات عززت الثقة وأتاحت خفض الفوائد الذي استفاد منه القطاعان العام والخاص".

وأشار إلى أن من انتقد هذه السياسة في الماضي بات يعتمدها، وفي مقدمتها المصارف المركزية في أوربا، عندما دعا صندوق النقد الدولي المصرف المركزي الأوربي إلى الاكتتاب في سندات سيادية أوربية لتخفيف الأزمة.

وقال سلامة: "هذه السياسة تعطي النتائج المطلوبة لاسيما لجهة خفض مخاطر البلد وتاليًا خفض الفوائد، وباستثناء تلك السياسات لا يستطيع مصرف لبنان أن يستمر في هندساته المالية التي توفر الثقة والاستمرار ".
الجريدة الرسمية