رئيس التحرير
عصام كامل

براءة الأطفال


طفلك ليس كبيرا ليتفهم حكمتك، ولا نظامك، ولا ترتيب الوقت، ولا الذوق الرفيع من الساقط.. ولم ينضج فكره بعد ليميز الهزل من الجد، وأن للهو واللعب وقتا وللنوم والرحة وقتا..

طفلك لم يرتق بعد فى اختيارته وقراراته، ولم يكتسب بعد ذوقا رفيعا فى الأكل والشرب واللبس، ولم يحسن بعد أسلوب الحوار والجدال والخطاب، ولم يبدع بعد اختيار الكلمات، ونظم الحروف، واتزان حركات الجسد، وتعبيرات الروح وما يخالجها من انفعالات..
فلتدعه يتعلم من تجاربه وخبراته، وامنحه وقتا ليتعلم، وليستوعب ما يسجله ويدونه بذاكرته، ولا تتعجل استقامته ونضجه ورشاده واتزانه، ولا تحرمه من فرحة إحساسه بطفولته التى تتفتق بعد براعمها، ولا من نشوة حريته، ولا من رغبته بالصراخ، والركض فى زوايا حجرته، وأركان بيته..
دعه ينطلق بالحياة ليستطعم لذة الحركة والنشاط، واحرسه بعنايتك وبتوجيهاتك وإرشاداتك، ولا تلزمه فى كل الأوقات أن يكون عبدا ذليلا ينحنى لك وينفذ أوامرك، ولا يعصاك فى شىء، ويقلدك فى كل شىء، وإلا ستحوله لمسخ إنسانى مشوه، ولصورة نسخة طبق الأصل منك بلا إرادة مستقلة ولا شخصية قوية، ولا نفس واثقة بمؤهلاتها على الإنتاج واتخاذ القرار بنفسها..
طفلك لا يستوعب معنى صوتك العالى، ونبل مقصدك، وبأنك تحاول أن تحكم جماح تصرفاته وتلجمها بلجام التأديب والتهذيب، إنما يستطيع أن ينصت لخطابك ولبنات أفكارك بأسلوبك الهادئ الرزين، فلا تجعله يكره سماع صوتك، ويخاف من وجودك وحضورك، ويسعد لغيابك ورحيلك، وكلما حركت شفتيك يتمنى لو كان وقتها أصما أبكما، حتى لا يسمع صوتك يرتفع، وحتى لا يدفعه غضبه منك أن يصرخ فى وجهك كما تفعل أنت معه.. أو أن يضطر ليهدئك بقوله: حاضر سأنفذ أوامرك فقط توقف عن الصراخ.
طفلك لا يسأل نفسه هل أبى يحب أمى أو هل أمى تحب أبى، لأنه على فطرته وسجيته لا يعرف معنى الكره، إنما لا يفتر يسأل نفسه لماذا يصرخان؟ لماذا يتشاجران؟ لماذا لا يتكلمان بهدوء؟
طفلك أمامك حائر، لا يملك أن يفهم ما يحدث حوله، ولا يستطيع حتى أن يسألك ليفهم، ولا أنت تملك أن تفسر له كل ما يحدث، ابنك لم يكبر بعد ليفهم معاناتك وأوجاعك..
أطفالنا بحاجة إلينا، لنجعلهم يحيون الحياة الكريمة.
الجريدة الرسمية