رئيس التحرير
عصام كامل

‎إلى ثوار 30 يونيو


ليس من الحكمة أن تتحرك جماهير الثوار في الثلاثين من الشهر الجاري، انطلاقا من كون الرئيس رجلا فاشلا، أو متخبطا، أو تابعا، أو متحولا من رئيس دولة إلى رئيس عصابة، إذ أن الأمر أعمق من ذلك، وليس من المنطقى أن تتحرك الجماهير لأن الدكتور محمد مرسي حنث باليمين الذي أقسمه أمام الجماهير، أو لأنه اعتاد الكذب، أو أن جماعته تقتاده إلى حيث تريد، أو لأنه متردد، أو غير قادر على تحمل مسئولياته، أو لأنه يتنصت على معارضيه، أو لأنه يستخدم بسذاجة الأجهزة الأمنية في أغراض تخدم جماعته حتي لو كان ذلك ضد الوطن..



ورغم أن كل ما تقدم حقائق أثبتتها الأيام القليلة الماضية، فإنه ليس من العقل أيضا أن يكون حافز خروج الجماهير في ثورة ٣٠ يونيو الجاري، ثورة لأن جماعة الإخوان تنفرد بالحكم، أو لأنهم قدموا مصر بكل ما فيها من قوة على طبق من بترول قطر إلى القوى الصهيونية في الدوحة، ولا يجب أن يكون التحرك لأن جماعة الإخوان انفردت بالمواطن، أو لأن مرسي كان يصلح على أقصى تقدير أن يكون إمام زاوية فاشلا لا يصلي من خلفه أكثر من ثلاثة من أتباع جماعته.

كل ما تقدم حقائق دامغة لا تحتمل الجدل، فالرجل بكل صراحة ووضوح، فوجئ بأنه يقود طائرة، وهو الذي لم يكن يحلم بقيادة بسكلتة، والرجل بكل شفافية كان سببا مباشرا في الاستهانة بمصر البلد الكبير، فهو من سخروا منه في ألمانيا، وهو من أغلقوا عليه الصوت وهو يتحدث في إثيوبيا، وهو الذي رفضت واشنطن استقباله مرة أخرى، وهو أخيرا من ذلك النوع الذي يقال عنه إنه رجل ممن لا يعرفون ولا يعرفون أنهم لا يعرفون.. هذا النوع من الرجال هم الجهلاء الذين يجب اجتنابهم.. وذلك ليس من منطلق عتاب الجاهل اجتنابه !!

نعم محمد مرسي جاهل بشهادة الواقع، جاهل بأساليب الحكم الحديثة، جاهل بقيم الديمقراطية، جاهل بقيم الحرص على مؤسسات الدولة، ولكن كل ذلك لا يعني أن يكون الثلاثين من يونيو الجارى هو خروج ضد مرسي أو جماعته.

أعتقد أنه على الثوار أن يدركوا أن تحركهم إنما جاء لتيقنهم أنهم عندما أزاحوا من أفرغ البلاد من الكفاءات والقيادات، فإن هذا الذي أزيح قد ترك لهم فزاعة اسمها جماعة الإخوان، الذين هم الامتداد الطبيعى لقيم التهميش والإقصاء وتجريف البلاد، وهم أبناء النظام القديم، وهم داعموه، وهم أعمدته التي يعتمد عليها في طريق العودة مرة أخرى.

صحيح كان مبارك أكثر حكمة ممن خلفه، وكان أكثر رقيا منه، وكان أكثر وطنية منه، وعندما وجد الشارع قد لفظه ترك موقعه، في حين يصر الرئيس المنتخب من الناس أن يسلك نهاية طريق مبارك، ليعود من العرش إلى البرش.

إذن الثورة القادمة في نهاية هذا الشهر هي الامتداد الطبيعى لاستعادة الثورة، بعد أن حولتها جماعة الإخوان إلى شبح، أو هوجة، أو مؤامرة، وحتى لا تكون ثورة يناير مؤامرة غربية مدعومة من الإخوان، فإن استعادتها وإعادتها إلى الحياة هو الحافز الأكبر للتحرك والثورة، أو بالأحرى استكمال الثورة، وإبعاد كل من حاول بشكل أو بآخر أن يصفى مصر، ويختزلها في مجموعات من المتآمرين.

وعلى الثوار أن يدركوا أن الوليد الأول للثورة لم يكن رئيسا منتخبا، وإنما كان استنساخا مشوها من نظام سلم نفسه لتل أبيب وواشنطن، وعاد لينجب لنا نظاما ذهب إلى أبعد من ذلك، فأصبحت قطر دولة عظمى تتسول منها مصر قرضا بفوائد هي الأعلى في التاريخ.

ذهب مبارك الذي كنا نصفه بالانصياع للآمر الأمريكى، وجاءنا محمد مرسي الساجد في قبلته الجديدة بالبيت الأبيض، كان مبارك بنظامه يحاول إيهامنا بأننا لا نتحرك في فلك أمريكا، وجاءنا رئيس منتخب يفاخر السلفيون بأنه مدعوم من أمريكا، ولم يكن من الإخوة السلفيين إلا أن يركعوا مع الراكعين في قبلة الكونجرس الأمريكى.

ما هذه الثورة التي يتسابق حكامها على الاستسلام والخضوع والخنوع؟ أليست مؤامرة أن تكون النتيجة المذهلة لمصر بعد الثورة، هي ركوع أكثر، وخضوع أوفر واستسلام دفع تل أبيب أن تقول إن ما حصلت عليه من الإخوان لم تستطع أن تحصل عليه من مبارك.

من أجل ذلك فإن فشل ٣٠ يونيو، يعني أننا دخلنا النفق المظلم، لاستكمال مراحل الاستعباد الأمريكى، والاستسلام لأوامر تل أبيب، والفشل يعنى أن وطنا يلفظ أنفاسه الأخيرة لن يكون وطنا، بل سيتحول إلى مقبرة كبيرة لن يستوعب ثراها جثامين الخونة، ولا حتي المناضلين، ولكل هذه الأسباب لا يكفى أن تحلم بوطن حر أبى كريم دون أن تتيقن أن إزاحة الإخوان هي الخطوة الأولى لبناء هذا الوطن.

الجريدة الرسمية