نخبة سياسية متردية!
ما حدث فى مصر المحروسة فى الأسبوع الماضى لم يحدث مثله إطلاقاً فى أى بلد عصرية متقدمة!
فقد دعا الدكتور "محمد مرسى" رئيس الجمهورية القوى والأحزاب السياسية للحوار فى القصر الجمهورى حول مشكلة السّد الذى قررت إثيوبيا بناءه والذى يقدر الخبراء أنه يمثل خطراً كبيراً على الأمن المائى المصرى.
وحين قرأنا الخبر قلنا خيراً فعل رئيس الجمهورية، لأن التشاور السياسى بين مختلف الأحزاب حول مشكلات الأمن القومى مسألة مرغوبة، وتمثل قراراً سياسياً رشيداً على عكس القرارات السياسية الغبية السابقة وهى كثيرة، والتى كانت تتعمد الانفراد بإصدار القرار والذى كان يخرج فى كثير من الأحيان مصاباً بالعوار الدستورى الذى يستوجب بطلانه قانوناً، أو يدل على جهل فاضح بحقائق الأمور ويؤدى ذلك عادة إلى تعقيد المواقف بدلاً من حلها بأسلوب رشيد.
اجتمعت فى القصر كوكبة من قادة الأحزاب السياسية الدينية فى المقام الأول وعدد من السياسيين الذين تختلف انتماءاتهم.
وأخذ الحضور حريتهم فى الكلام على أساس أن الاجتماع غير مذاع، ثم فوجئوا بأن المناقشات التى كانت فى الواقع فى منتهى التفاهة مذاعة على الهواء!
والسؤال: هل هناك فى العالم المعاصر أى رئاسة جمهورية حتى ولو فى بلاد "واق الواق" تذيع على الهواء مناقشات بالغة الحساسية حول قضية من قضايا الأمن القومى الملتهبة؟
وهل وصلت "البلاهة" فى الأجهزة الرئاسية لهذا الحد.
وبغض النظر عن الجانب الأخلاقى فى الموضوع والذى يتمثل فى ضرورة تنبيه أعضاء الاجتماع بأنه مذاع على الهواء فإن الآراء التى طرحت تدل دلالة بالغة على تدهور المستوى السياسى والفكرى بل والعقلى- للأسف الشديد- لبعض أعضاء النخبة السياسية ممن "أطربونا" بآرائهم الغبية لحل مشكلة السد.
ليس ذلك فقط بل إنهم أدهشونا فعلاً لأن مستوى خطاب بعضهم لا يرقى إلى مستوى أشخاص أميين لم يتلقوا أى حظ من التعليم!
يقول رئيس حزب مزعوم فى هذا الاجتماع الغرائبى المثير إن الحل فى ذهن سيادته هو نشر إشاعات تقول إن مصر اشترت طائرات خطيرة يمكن أن تضرب السد الإثيوبى وهكذا تخاف إثيوبيا وتمتنع عن بناء السد!
أقسم بالله العظيم لو أن طفلاً غريراً قال هذا الكلام الفارغ لاستحق أن يصفع على وجهه!
أما الفيلسوف الآخر وهو ممن يخّدمون على جماعة الإخوان المسلمين فقد دعا إلى مجموعة من الألعاب المخابراتية الكفيلة بإفساد مشروع السد!
أما الرئيس نفسه فقد قلل من أخطار السد، وأكد سيادته أنه لن يؤثر كثيراً على مصر! وإن كان هذا صحيحاً فلماذا الاجتماع إذن؟
ولم أستطع أن أتابع ما نشرته الصحف عن باقى التفاهات والسخافات التى مثلت اجتهادات أعضاء النخبة السياسية المزعومة لحل المشكلة، لأننى أدركت سريعاً أن المشكلة ليست فى السد ولكنها فى هؤلاء السياسيين الذين يتصدون للمناقشة فى أمر خطير يمس الأمن القومى فى الصميم، وهم غير مؤهلين أصلاً للمناقشة ولم يعدوا أنفسهم لها.
وقد خجل بعضهم من نفسه خجلاً شديداً بعد أن عرف أن آراءه التافهة أذيعت على الهواء، وأدرك القاصى والدانى أنه لا يصلح لكى يكون مجرد "ناخب" وليس رئيساً لحزب مزعوم!
وهكذا يمكن القول إنه لا يعدل "بلاهة" أجهزة الرئاسة فى إذاعة حوار يمس الأمن القومى إلا "خيبة" هؤلاء السياسيين الذين أثبتوا أنهم لا يتمتعون بأمية معرفية لا حدود لها، بل وتخلف فكرى يستعصى على العلاج!
eyassin@ahram.org.eg