ثورة الشرطة!
انتم الآن في يناير ١٩٥٢.. الأسباب الموضوعية ضد الاحتلال بلغت ذروتها.. العمليات الفدائية لا تتوقف ضد معسكرات الانجليز في القناة.. قادة المقاومة الوطنية يدربون ابناء مصر ويوجهونهم والتركيز في الاسماعيلية.. الأسباب قديمة وهي الأسباب التي دفعت الانجليز قبل التاريخ المذكور بسنوات طويلة ليختار حسن البنا الاسماعيلية تحديدا ليؤسس منها جماعته وينطلق من هناك..
كان المطلوب لفت الانتباه بعيدا عن الاحتلال.. مطلوب شرخ في الجدار الوطني يشغل الناس بعيدا عن مقاومة المحتل.. إلا أن جهود البنا تؤتي ثمارها قليلا لتعود حالة المقاومة إلي حرارتها. وتشتد الضربات من جديد! هذه المرة.. وهذه الفترة.. تبدو الأمور مختلفة..
النضج الوطني في قمته.. التجار يمتنعون عن البيع والشراء مع معسكرات الاحتلال.. أعداد الفدائيين في تزايد.. الأرقام المسجلة للرغبة في ترك العمل في القناة تتجاوز الـ ٩٠ ألفا! أما المتغير الأهم والأبرز علي الاطلاق هو ما قالوه الإنجليز.. رجال الشرطة يدعمون الفدائيين.. رجال الشرطة يساهمون في تهريب السلاح لهم.. رجال الشرطة يساعدونهم علي الاختفاء وعلي الهرب!!
اقرأ أيضا : «حفتر حي».. وملعوب الجيل الرابع!
لم يقتصر الأمر إذن علي ما كان يعتقده البعض من مشاركة ابناء الشرطة في المظاهرات ضد الاحتلال.. لا.. هذه المرة ابناء الشرطة شركاء في المقاومة!
اليوزباشي مصطفي رفعت بطل الموقعة وصاحب قرار المقاومة وفي حوار أجراه معه الزميل سعيد الشحات نشره قبل سنوات في "اليوم السابع" يقول حرفيا: جاءني عامل السويتش والمعركة محتدمة وقال الوزارة تريدك.. كان المتحدث فؤاد سراج الدين.. سألني ما الذي يجري عندك؟ وضعت السماعة علي الشباك وقلت هذا ما يجري عندي.. كانت أصوات المعركة- فسألني أين كبار الضباط؟
قلت لا أعرف.. قال هل عندك قتلي. قلت نعم. قال.. وماذا قررتم؟ قلت.. المقاومة إلي النهاية.. يضيف: أصيبت حجرة السويتش بقذيفة. انقطع الاتصال.. اخر ما سمعته من سراج الدين ربنا يوفقكم "!
اقرأ أيضا : بيان الخارجية عن الآثار المنهوبة.. «ولا بيفهم في الكهربا»!
اعتقل مصطفي رفعت بعد المعركة الكبيرة المشرفة.. ثم فصله.. وعاد بعد الثورة! نحن إذن أمام بطولة مع سبق الإصرار والترصد.. وقفت فيها الشرطة مع الشعب.. مصر كلها ضد الاحتلال وأعوانه ممن سجنوا وفصلوا مصطفي رفعت ورفاقه، بما فيهم اليوزباشي عبد المسيح مرقص أحد أبطال المعركة.. ثارت الشرطة علي الاحتلال.. وبعدها بأشهر يثور الجيش.. وينهي المهمة كلها.. وتعود مصر لأهلها! كل عام ومصر بجيشها وشرطتها وكل ابنائها بكل خير..