جمال حماد يروي ذكريات الكفاح في يوم الشرطة
على مر تاريخنا الحديث أثبت رجال الشرطة فى جميع المواقف القومية أنهم أوفياء لمصر، ووقفوا أثناء الكفاح الشعبى ضد الاستعمار البريطانى حتى إنها قدمت شهداء أبرارا، وما حدث فى أحداث الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 أبسط دليل على ذلك.
وفى مجلة الشرطة عام 2000 كتب المؤرخ جمال حماد عن مساندة الشرطة للكفاح المسلح ضد الإنجليز فقال:
كنت أتمنى منذ سنوات أن التقى بأحد ضباط الشرطة الذين شاركوا فى معركة 25 يناير التى دارت رحاها بين قوات بريطانية يصل عددها سبعة آلاف من الضباط والجنود البريطانيين مزودين بأقوى وأحدث الاسلحة من دبابات ورشاشات آلية ومدفعية ميدان وبين قوة مصرية صغيرة لا يزيد حجمها على حجم كتيبة مشاة من بلوكات النظام الذين لا يملكون سوى بنادق قديمة الطراز لا يمكن إطلاق النار منها إلا بجهد فردى طلقة طلقة، مما يجعل القتال بين الفريقين شبه مستحيل.
لكن أبطال الشرطة المصريين أثبتوا أن الإيمان الراسخ فى قلوبهم بربهم ووطنهم وروحهم المعنوية العالية جعلهم يقفون أندادا لهذه القوة الباطشة. صمدوا فى مواقعهم عدة ساعات رغم الخراب والتدمير الذى أحاط بهم من كل جانب وبرغم عشرات الشهداء والمصابين من زملائهم الذين سقطوا فى ساحة الشرف.
وأسعدنى الحظ أن التقى بأحد أبطال ملحمة الشرطة هو اللواء مصطفى رفعت الذى كان فى ذلك الوقت برتبة النقيب وكان مدرسا فى كلية الشرطة، وعندما بلغه ما يجرى فى منطقة القناة من عمليات فدائية ضد الإنجليز وما ترتكبه قوات الاحتلال من أعمال وحشية ضدهم وضد الأهالى هناك، تقدم مصطفى رفعت بطلب إلى مدير الكلية اللواء محمد المتولى شاركه فيه زميلاه النقيبان صلاح الدسوقى وصلاح ذو الفقار كى يتم نقلهم بصفة مؤقتة إلى قوة الشرطة التى تعمل فى منطقة القناة.
وصدق على الطلب فؤاد سراج الدين وزير الداخلية وتم إلحاق الضباط الثلاثة إلى بلوكات النظام فى الإسماعيلية وبدأ عملهم هناك بتنظيم المقاومة الشعبية والمشاركة فى عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال.
كما أشاد مصطفى رفعت بجهد المقدم طيار وجيه أباظة والنقيب كمال رفعت بتزويد كتائب الفدائيين وقوات الشرطة بالأسلحة والذخائر الخاصة بالقوات المسلحة مما ساعد على تزايد ضربات الفدائيين.
وقبيل فجر يوم الجمعة 25 يناير استيقظ ضباط شرطة الإسماعيلية على أصوات مدوية وحركة غير عادية فى الشوارع وذهب النقيبان مصطفى رفعت وعبد المسيح مرقص إلى مبنى المحافظة ليكتشفا أن القوات البريطانية حاصرت مبنى المحافظة وضربت حصارا حوله وحول المستوصف.
فى نفس الوقت توجه ضابطان بريطانيان إلى منزل ضابط الاتصال المصرى شريف العبد وطلبا منه مقابلة اكسهام القائد البريطانى بالإسماعيلية، وعندما قابله سلمه إنذار طلب فيه تسليم جميع قوات رجال بوليس بلوكات النظام بالإسماعيلية وجلاء تلك القوات مجردة من أسلحتها عن منطقة القناة.
وما أن تسلم أحمد رائف قائد بلوكات النظام الإنذار رفضه واتصل بوزير الداخلية الذى طلب منه عدم التسليم والدفاع حتى آخر طلقة، وهدد القائد البريطانى إذا لم تسلم القوات المصرية أسلحتها سيهدم مبنى المحافظة على من فيه، وأصر القائد المصرى على عدم التسليم وأصدر أوامره إلى قواته بالمقاومة، وبدأت المجزرة الوحشية وانطلقت مدافع الاحتلال بلا شفقة تدك مبنى محافظة الإسماعيلية واستمرت المقاومة وقال لهم مصطفى رفعت (لن تتسلموا منا إلا جثثا هامدة).
اقرأ أيضا:
كارول سماحة بحفل جامعة مصر: "لولا تضحيات الشرطة ما كنا نقدر نعيش بأمان"
تحول المبنى إلى أنقاض وسالت الدماء وسقط الشهداء وظل أفراد الشرطة المحاصرين على موقفهم يقاومون ببنادقهم العتيقة فسقط 50 شهيدا و80 مصابا، ومن بريطانيا قتل 13 وأصيب 12 فردا، وخرج طابور المتبقين من المحافظة مرفوعى الرأس حتى إن القائد البريطانى أدى لهم التحية.