في ذكرى "سيد العامية".. سيد حجاب و"لسه فيه حنين"
آمن بأن النهار يشق عتمة الليل.. ومهما طال الليل بييجي نهار، ومهما تكون فيه عتمة ومواجع.. والعتمة سور.. ييجي النهار تنهار.. وضهرنا ينْجام..
كان من المؤمنين بأن القدر يضع المصريين دائما أمام تحديات كبيرة.. طالما راوده حلم المشروع القومي الجديد الذي يؤسس لدولة ديمقراطية.. تتحقق فيها إرادة الشعب.
لا يمكن تعريف «سيد حجاب»، بغير اسمه، فهو «سيد العامية وحجابها»، تشبع من لغة الكفور والنجوع والقرى من مشارف بحري إلى أقاصي الصعيد، اختزن كلمات البسطاء وترجمها شعرا مصريا صادقا، حفظه الكبار والصغار، غناه الكل في كل الأوقات..
أحب مصر حتى أنه رآها صاحبة «الضفاير» التي منها «طل القمر»، والندى «بات فوق شفايفها»، فهو شاعر المعركة الذي يرى «الريح صرخة»، لكن لا يسمع سوى «صرخة الفجر الوليد النور».. «حجاب» نقش التراث المصري كلمات أشبه بالأرابيسك، دون أن يتنازل عن جمال الصورة وبساطة الإحساس..
يكفي أن تسمع اسمه «سيد حجاب».. حتى تعرف أنه اختار «العامية» لتكون سبيلا للبسطاء، دون أن يتخلى يوما عن دوره التنويري.. كلماته تصل إلى الأمي والمتعلم والمثقف «المتعجرف»، الكل يقف أمامها منتبها فهم في حضرة «سيد العامية المصرية».
طرق «حجاب» على الأبواب.. دخل حبيبا .. ضيفا خفيفا.. «عارف سكته».. أغاني المسلسات .. الأشعار المغزولة بأناقة.. سكن في القلوب قبل الأذهان.
رحل سيد حجاب في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات.. مات على سريره، نطوروا كلماته على القلوب.. فشوية لبيوت البلد.. وشوية في إيد ولد باسه ولا يعرفوش.. صنع «حجاب» من كلماته «حنة» لكفوف عريس، وهلال على مدنة، ونقش على بيت نوبي تحت النيل.
ولد سيد حجاب في 23 سبتمبر عام 1940 بالدقهلية، التحق بكلية الهندسة قسم تعدين ولكن ترك الهندسة لإشباع حبه للشعر، درس المسرح ويُعد أحد أبرز الشعراء العرب ورائد من رواد شعر العامية، شغل وظيفة باحث بالإدارة النقابية بهيئة المسرح، كان رئيس القسم الفني والأدبي بمجلة الشباب، واشتهر بكتابة أشعار الفوازير.
اشتهر أيضًا بكتابة تترات كثير من الأعمال الدرامية، وهو كاتب أشعار أبرز المسلسلات المصرية مثل الليل وآخره والحقيقة والسراب وقاسم أمين والأصدقاء وهوانم جاردن سيتي والواد سيد الشغال وأوبرا عايدة.
كون ثنائيا مبدعا مع الموسيقار عمار الشريعي، حصل على العديد من الجوائز أهمها جائزة كفافيس الدولية عام 2005 في الشعر عن مجمل أعماله، حصل على جائزة الدولة التقديرية للآداب.
كان عاشقا للشعر ويتعامل معه بجدية وكانت لديه مسودة يمسك بها دومًا لكتابة الأشعار التي تأتيه فجأة، وكان يغلق باب المكتب على نفسه ولا يحب أن يتواجد معه أحد في المكتب؛ لأن لحظة الكتابة مقدسة لديه، توفي في 25 يناير عام 2017 بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 77 عامًا.
مثّل والد سيد حجاب المثل الأعلى والقدوة الحسنة التي احتذى بها في حياته، حيث كان يشاهده في جلسات المصطبة الشعرية، وهو يلقي الشعر للصيادين في منافسة شعرية شرسة بيهم.
بدأ يتعلم حجاب ويقتفي أولى خطواته في عالم الشعر، إلى أن كتب أول قصيدة تحت عنوان "نبيل منصور" أحد الشهداء"، ليدعمه والده ويحثه على المضي في دربه، ولعبت الصدفة دورا هامًا في لقاء سيد حجاب بالشاعر عبد الرحمن الأبنودي، حيث التقى في إحدى الندوات الثقافية بالقاهرة، لتنشأ بينهما علاقة صداقة مميزة وقوية، ليتنبأ بعدها صلاح جاهين بمستقبل شعري واعد لسيد حجاب. وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي احتفى المثقفون بأول ديوان له "صياد وجنية"، وبعده انتقل إلى الناس عبر الأثير من خلال مجموعة البرامج الإذاعية الشعرية "بعد التحية والسلام" و"عمار يا مصر" و"أوركسترا"، وقد كان الأبنودي يقدم معه البرنامج الأول بالتناوب، كل منهما يقدمه 15 يوما وبعد فترة انفصلا وبدأ كل منهما يقدم برنامجا منفصلا واخترق حجاب عالم الشعر الغنائي، وتغنى بكلماته العديد من المطربين، منهم عفاف راضي وعبد المنعم مدبولي.