برنيس.. حلم أمريكا وإرادة مصر
لم يكن افتتاح الرئيس السيسي لقاعدة برنيس يوما عاديا في تاريخ مصر ومجدها العسكري الأصيل، كان ذلك الافتتاح بمثابة تأكيد على القدرة العسكرية المصرية والإرادة الصلبة التى لا تخشى فى الحق لومة لائم، فالقاعدة تقع في جنوب البحر الأحمر، وهى الثانية في سلسلة القواعد العسكرية الجديدة، ومهمتها الأولى حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية..
ومن مهامها أيضا حماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية، ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة العالمية بالبحر الأحمر، وتضم قاعدة جوية وقاعدة بحرية متطورة، فضلا عن العديد من ميادين الرماية، كما تشمل على مستشفى عسكري ورصيف بحري .
وكانت القاعدة تسمى "ميناء أهل الكهوف" في مصر القديمة وفق تعبير اليونانيين، وأطلق عليها اسم "برنيس" الذهبية في العصر البطلمي نسبة إلى الملكة برنيقيه أم بطليموس الثاني حاكم البلاد في عصور ما قبل الميلاد، ثم تم تغييرها وتحريفها إلى "برنيس"، وكان بها أكبر ميناء تجاري عام 275 قبل الميلاد. والمنطقة متلازمة مع أهمية مضيق هرمز، ومع أهمية الخليج العربي على خريطة الاستراتيجيات العالمية، لأنها تعد سهلا ساحليا ضيقا وسط سلاسل جبال البحر الأحمر تمنح تفوقا استراتيجيا لمن يتحصن ويتركز بها، وظلت قرونا عديدة ميناء مصر الأول على البحر الأحمر، ومركز تجارة الهند والجزيرة العربية.
اقرأ أيضا: أهلا مدارس والوطنية الصادقة
وعندها تتوافر أقل مساحة بحرية على شاطئ البحر الأحمر بين مصر والسعودية، وأقل مساحة طيران بين مصر والخليج العربي كله، وتعد نقطة عبور إستراتيجية إلى منطقة القرن الإفريقي، ونقطة التقاء بحرية وجوية بين قارتين وثلاث بحار إستراتيجية ومحيطين كبيرين. وظهرت أهمية برنيس حديثا من موقف طريف حيث إن الرئيس السوفييتي الأسبق خروشوف كان أول زعيم أجنبي يطأ أرضها في القرن الماضي..
فخر وشرف جاء إلى مصر ليشارك في احتفال السد العالي وتحويل مجرى النهر بأسوان، وقرر أن يأتي بحرا، واختار أن يعبر من البحر الأسود إلى المحيط الهندي، ثم إلى البحر الأحمر، ولم يكن من المناسب بعد كل هذه المسافة البحرية أن يصل خروشوف بحرا حتى السويس في أقصى الشمال، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أسوان في أقصى الجنوب لحضور الاحتفال. فقرر الاتحاد السوفيتي، وقتها، البحث عن أقرب نقطة بحرية تنقل خروشوف من البحر الأحمر إلى أسوان، ولهذا السبب أرسلت مصر بعثة عسكرية على شاطئ البحر الأحمر للبحث عن مكان يصلح لرسو سفينة خروشوف، ويصلح أيضا لهبوط طائرة صغيرة، تقلع به مع أسرته إلى أسوان. واختارت البعثة العسكرية المصرية منطقة "برنيس"، وأنشأت بها مرسى للسفينة، ثم مهدت طريقا يمكن أن تتحرك منه الطائرة إلى أسوان.
التفتت أمريكا لأهمية برنيس خاصة بعد استخدامها من جانب الجيش المصري كميناء لنقل وحدات كبيرة من القوات المسلحة المصرية كانت متواجدة في اليمن إلى مصر قبل اندلاع حرب العام 1967. وبالحسابات رأت واشنطن أهمية المنطقة استراتيجيا، لذلك تفاوضت مع مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات لبناء قاعدة عسكرية أميركية بها، وكانت الحسابات التي أجراها البنتاجون تؤكد أنه بالنسبة لحساب المسافات فالمنطقة تعد الأقرب من القواعد الأميركية في العالم، بالقياس إلى مسرح العمليات. وبالنسبة للتكلفة..
واقرأ أيضا: الإرهابيون والقانون الجديد للمعاشات
رأت الإدارة الأميركية، أن تكلفة إقامة قاعدة في "برنيس" تعادل نصف التكلفة التي ستقام فيها قاعدة في تركيا، وثلث تكلفة إنشاء قواعد أخرى، وسيتكلف نقل المعدات والأفراد والجنود إليها سدس تكلفة النقل لأي قاعدة أخرى في العالم.
ظلت أمريكا تفاوض مصر حول القاعدة، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يرفض، وبعد رحيل السادات، طلب الرئيس الأميركي ريغان بشكل مباشر من الرئيس الأسبق حسني مبارك أن يوقع بنفسه على خطاب تعهد يتيح للولايات المتحدة استخدام القاعدة بنفس الطريقة التي قدم بها السادات تعهدا سابقا يسمح فقط باستخدام القاعدة في حالة تعرض مصر وأميركا لخطر مشترك..
مبارك رفض وبإصرار شديد وجود أي قواعد أجنبية في مصر. ولم تتوقف أمريكا عن طرح عروضها لإقامة القاعدة وقدمت وعودًا كبيرة سواء اقتصادية أو تسليحية، وتنوعت اقتراحاتها ولكن تم رفض كل العروض من جانب مصر، وبعد إزاحة حكم الإخوان الفاشى عن مصر، إلتفت الرئيس السيسى إلى أهمية هذا المكان، فاتخذ قرارا جريئا ببناء القاعدة، وبتمويل مصري وسواعد مصرية لتكون نقطة انطلاق استراتيجية لمصر، لتكون مرتكزاً لانطلاق الجيش المصري لتنفيذ أي مهام توكل إليه بنجاح، وبما يعزز التصنيف العالمي له بين مختلف الجيوش العالمية.