رئيس التحرير
عصام كامل

عزيزي الدكتور علاء.. مكانك مش هنا


كأغلب جموع المثقفين أقف وبشدة ضد تولي الدكتور علاء عبد العزيز منصب وزير الثقافة.. لا أحد مننا ضد التطهير من الفساد كما تدعي لجان الإخوان الإلكترونية.. ولكن أعتقد أن هناك أولويات عديدة بجانب التطهير.. كما أن التطهير لا يعني تصفية كل قيادة كانت تعمل في الوزارة في وقت النظام السابق لأنها فكرة خرقاء انتقامية أكثر منها تطهيرية، خاصة إن لم تصحبها أي أوراق ومستندات قانونية ولم تأخذ الشكل القانوني للمسائلة.. وبلا شك فأسلوب انتقاء من يحل محل هؤلاء المستبعدين يجعلني أتساءل مائة مرة هل الدافع هو تكوين محسوبين جدد للنظام الإخواني الذي أفنيت قلمك في مدحه في جرائده حين خرجت جموع الشعب بعد الإعلان الدستوري الباطل ضده بدلا ممن تعتبرهم محسوبي الوطني.. وإن كانوا فاسدين فلما لا نحاسبهم..



أليس حقنا معرفة تفاصيل محددة مثبتة بأوراق؟ لا تهمني بشدة مع ذلك عملية التصفية لصالح تغيير هيكل الوزارة لهيكل إخواني وتعيين عدد من أعضاء الحرية والعدالة بشكل يتجاوز الهيراركية الوظيفية الحكومية.. طالما أنك لا تنكر أنك تحاول أخونة الوزارة لكي تكون كل الأوراق مكشوفة ولندخل في صراع نأخون أم لا نأخون.. ولكن التخوف الأساسي لدي هو العبث بمقدرات الوزارة وبما تمارسه.. كانت أزمتي الدائمة مع الوزارة هي نسبة ما يصرف من ميزانيتها لأجور العاملين بها مقارنة بما يصرف على العمل الثقافي ذاته على طريقة الفرخة بخمسين قرشًا والقفص بخمسة عشر جنيهًا للفنانة شيرين.. 

وكنت أتوقع ممن يطهر أن يصحح هذه المنظومة ليكون لدينا منشورات أكثر وتكون مخفضة أكثر ويبحث عن آليات أكثر لتوزيعها على القراء حتى تصل الثقافة لقطاع أوسع.. وأن تخفض تذاكر الأوبرا ليحضرها كافة الشعب، وأن تنظم رحلات لها لحضور العروض من الجامعات والمدارس.. لا أن تصدر تصريحات بخصوص خسارة المنشورات والمسارح ولذلك تقرر تصفيتها.

سيدي الفاضل.. أنت موجود على هذا الكرسي لكي تصل الثقافة بتعدديتها للناس ولمحدودي الدخل ولإيجاد آليات لفعل ذلك لا لكي تلغيها لأنها غير رابحة ماديًا.. وزارة الثقافة أنتجت الفيلم الأهم في تاريخ مصر: المومياء لشادي عبد السلام.. فهل نفترض في فترة وزارتك أن تتجه الوزارة لإنتاج مشترك مع السبكي لأفلام العيد لأنها تربح أكثر؟

إن في موقف إلغاء وتقليص ميزانيات منتجات الوزارة الفنية والثقافية بحجة الخسارة المادية دلالة واضحة أنك تجلس على هذا الكرسي للقيام بدور عكس ما يفترض أن يكون واجبك.. أعتقد أن معركة الإخوان الأساسية في وزارة الثقافة هي جعل الثقافة المخالفة لهم.. أو المنتج الثقافي الذي يخلق الوعي لدى الجمهور منتجًا ينتمي للقطاع الخاص.. غالي الثمن.. صعب الحصول عليه إلا إذا كنت من طبقة متوسطة عليا فما أعلى.. فهذا ما يخلق على المدى الطويل أجيالًا جديدة طيعة لا تعلم وتقول نعم في الصناديق.. 

قضيت طفولتي وشبابي أقرأ كتبًا رخيصة الثمن يدعمها النظام السابق الفاسد وأذهب لمسارح بتذاكر رمزية لأشاهد بيكيت ويونسكو في مسارح يدعمها النظام السابق الفاسد.. ولكن نظامكم الأكثر فسادًا يهدف ربما لمحو وعي الجيل التالي، بما أن الفكر هو ما قضى على النظام الذي سبقه.. ولكني لا أعتقد أن وجودكم سيطول لهذا الحد.. وإن كنت تتخيل أن دورك في وزارة الثقافة هو مستثمر يبحث عن الربح المادي لا عن نشر الثقافة.. فمكانك مش هنا كما يقول الإعلان.. والبلد مليئة بالمحلات التجارية والسوبر ماركت ولن يضيرها أن تزيد واحدًا بدل من أن تفسد حياتنا الثقافية. 

ملحوظة أخيرة.. لم أر في حياتي وزيرًا يستعين بقطاع معادي لصميم عمله على من تخصهم الوزارة.. وأن تدعو المكفرين من الجهاديين وقتلة الكتاب لأن يكون لهم دور معك وتخطب فيهم وتحرضهم على المفكرين والمثقفين، هو عمل ليس مجاله الرد في مقال رأي وإنما في مباحث الآداب.

الجريدة الرسمية