رئيس التحرير
عصام كامل

"النهضة" التونسيّة من المحنة إلى السلطة.. غيرت اسمها في الستينيات لـ"الجماعة الإسلامية" وبدأت العمل السياسي.. والثمانينيات عصرها الذهبى.. ووصلت إلى الحكم فى2011.. والغنوشى أبرز مؤسسيها

راشد الغنوشى زعيم
راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة فى تونس

تحتفل حركة النهضة التونسية، هذه الأيام، بالذكرى الـ32 لتأسيسها وسط تحولات كبرى، مرت بها "النهضة" التي "تعود جذورها للحركة الإصلاحية في القرن التاسع عشر، وتمتد في أعماق التاريخ، إلى أول دولة إسلامية في المدينة المنورة"، كما يقدمها رموزها.


وقد جاء تأسيس حركة النهضة، كما أشار زعيمها راشد الغنوشي في أكثر من مناسبة "ردا على ما شهدته تونس من حرب ضد الإسلام، في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن على، لم تبلغه فترة الاحتلال الفرنسي المباشر لتونس، ( 1881 / 1956)؛ فالحرب ضد مركز جامع الزيتونة (الذي يوصف بأنه منارة العلوم الإسلامية في شمال إفريقيا)، وضد صيام شهر رمضان، وضد الحجاب، وضد العلماء، والتهكم على كل ذلك، حقائق معروفة في عهد بورقيبة ( 1957/ 1987)، فمنذ وصوله للسلطة وهو لم يتوقف عن حرب الإسلام المتمثلة في شعائره وعقائده ورجالاته، بل طال بطشه جميع المعارضين من مختلف الأطياف السياسية التونسية".

في أواخر الستينيات بدأت الحركة الإسلامية، تتلمس موقع قدم لها في المشهد السياسي التونسي، وبدأت تعمل بشكل غير معلن، وعام 1972 أطلقت على نفسها اسم "الجماعة الإسلامية" وكان أبرزَ مؤسسيها راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو، وصالح كركر، وآخرون انضموا تباعا للحركة.

وفي 1974 سمح لأعضاء الحركة بإصدار "مجلة المعرفة" التي كانت قيمة إضافية ساهمت في إقناع قطاعات كبيرة من الشباب بالحل الإسلامي، ونقد الأفكار الوجودية واليسارية التي كانت مسيطرة على الساحة آنذاك.

كما استفادت الحركة من انتفاضة 26 يناير1968، التي اندلعت إثر صراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل، ونظام بورقيبة.

وفي 1979، عقد مؤتمر تمت فيه المصادقة على القانون الأساسي للحركة الإسلامية وبنيت على أساسه هيكلة الحركة.

وفي عام 1981، حدثت تطورات دراماتيكية ربما كان من أبرزها المنشور الرسمي الذي يطلق عليه المنشور 108 "سيئ الذكر"، والذي يحظر على الفتيات والنساء ارتداء الحجاب، على أثر حادثة أشادت فيها طالبة من كلية الشريعة بالإسلام وليس بورقيبة، وأن "الإسلام هو الذي حرر المرأة"، ومن ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من حكم ابن على (7 نوفمبر1987 - 14 يناير2011)، تعرضت الفتيات ولا سيما الطالبات في الجامعة والمعاهد الثانوية وغيرها، لمعاناة شديدة، وصلت في أغلب الأحيان للضرب، فضلا عن الطرد والمنع من الدراسة.

وفي يومي 9 و10 إبريل 1981 عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في مدينة سوسة الساحلية (الوسط الشرقي)، وفيه تم إعلان اللجوء للعمل العلني وتغيير اسم الحركة إلى "حركة الاتجاه الإسلامي".

وفي 6 يونيو 1981، تم الإعلان عن الحركة في أول مؤتمر صحفي لها، وتم التقدم بطلب ترخيص قانوني، لكن السلطات الحاكمة ردت على الإعلان، بحملة اعتقالات بدأت في 18 يوليو من العام ذاته.

وقدم المعتقلون الإسلاميون للمحاكمة في شهر سبتمبر من نفس العام، بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، والنيل من كرامة رئيس الدولة، ونشر أنباء كاذبة، وتوزيع منشورات معادية للنظام الحاكم.

وصدرت أحكام قاسية على عدد كبير من أبناء الحركة في مختلف أنحاء تونس، وصلت إلى 10 سنوات سجنا، بحق عدد من القيادات من بينهم الغنوشي، وعبد الفتاح مورو، وآخرون.

لكن السلطات أفرجت عن المتهمين في سنة 1984 والتي شهدت احتقانا شديدا في الساحة التونسية، عبرت عنه بجلاء الانتفاضة التي أطلق عليها تجاوزا "ثورة الخبز"، بينما كانت لها أسباب سياسية، إلى جانب الاحتجاجات على الزيادة في الأسعار، بما في ذلك زيادة أسعار الخبز.

ومثلت فترة الثمانينيات من القرن الماضي العهد الذهبي للحركة الإسلامية، مما أثار عليها حنق وغضب الدوائر الفرنسية، وأنصارها في تونس، الذين يتجاوزون دوائر السلطة إلى أطراف في الجامعة التونسية، ومؤسسات أخرى في بنية الدولة، اتحدت في وجه الحركة الإسلامية، بعد صعود ابن على للسلطة في نوفمبر 1987.

وقد بلغت الحرب على الحركة الإسلامية في عهد بورقيبة أوجها سنة 1987، عندما حكم بالإعدام على 6 من قادة الحركة الإسلامية من بينهم على لعريض رئيس الحكومة الحالي، ولم يعجب الحكم بورقيبة الذي كان يطالب برءوس قادة الحركة، محددا رقم 10 رءوس، وبدأ يعد لإعادة المحاكمة.

وكانت أكثر من جهة في تلك الفترة، تعد للإطاحة بنظام بورقيبة، منها سيناريو أمريكي جزائري، وفقا لما أورده التليفزيون التونسي مؤخرا، كما يقول محللون أيضا إن أطرافا في الحركة الإسلامية، كانت تعد للإطاحة بنظام بورقيبة في 8 نوفمبر1987، بينما كانت قياداتهم في السجن، لكن فرنسا وعن طريق ابن على، وبعض من تخلص منهم بعد ذلك، سبقت الجميع بيوم واحد، وكان انقلاب 7 نوفمبر.

وفي ذلك اليوم صعد ابن على إلى السلطة، مبشرا بعهد (جديد) وبفتح المجال لحرية الصحافة، وتكوين الأحزاب، وعلقت في الأذهان جملته الشهيرة، التي لن ينساها ضحاياه والشعب التونسي: "لا ظلم بعد اليوم".

وبعد عام من الانقلاب وقعت، حركة الاتجاه الإسلامي، على الميثاق الوطني، الذي دعا إليه ابن على، لتنظيم العمل السياسي، في خطوة رآها مراقبون من جانب ابن على لربح الوقت، وتوطيد أركان حكمه.

في فبراير 1989 غيرت الحركة اسمها إلى "حركة النهضة" للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع "إقامة أحزاب على أساس ديني"، إلا أن طلبها بالترخيص جوبه بالرفض من طرف السلطة.

وشاركت "حركة النهضة" بقوائم مستقلة في انتخابات إبريل سنة 1989، واحتكر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم آنذاك جميع مقاعد البرلمان بالتزوير، حسب آراء مراقبين مستقلين، بينما أشارت الأرقام إلى فوز الحركة المفترض بنحو 20 في المائة من مقاعد البرلمان، وهو ما يفسر به البعض المحنة التي تعرضت لها بعد ذلك.

في سنة 1990 بدأ نظام ابن على حربا ضد الحركة الإسلامية، وبلغ عدد المعتقلين سنة 1991 التي ترأس فيها الحركة محمد القلوي، أكثر من 10 آلاف معتقل، وأكثر من ذلك العدد تمكن وبطرق مختلفة من الخروج من تونس، حيث ظلوا على مدى أكثر من 20 سنة في المهجر بأكثر من 80 دولة، وفي نفس السنة حوكم 300 ناشط من بينهم نحو 100 عسكري بتهم الإخلال بالأمن العام.

وفي أغسطس 1992 صدرت أحكام قاسية على الآلاف من قادة الحركة من بينها الحكم بالأشغال الشاقة مدى الحياة، وتعرضت الجامعات لحملة من القمع خص بها الإسلاميون، وشارك فيها خصومهم من اليساريين، وبعد الانتهاء من الإسلاميين طارد النظام بقايا اليسار.

وآنذاك قال وزير الداخلية السابق عبد الله القلال بخيلاء: "لقد انتهى أمر الحركة الإسلامية" وشملت المحاكمات 256 قياديا من حركة النهضة.

وفي فترة "المحنة" تناوب على رئاسة حركة النهضة عدد من القيادات منها، راشد الغنوشي، في الفترة ما بين (إبريل 1972 وديسمبر1980)، وعبد الرؤوف بولعابي (ديسمبر 1980 وحتى يوليو 1981)، والفاضل البلدي (يوليو 1981 وحتى أكتوبر1981)، حمادي الجبالي (أكتوبر1981 وحتى أغسطس 1984)، وراشد الغنوشي (نوفمبر1984 وحتى أغسطس 1987)، وصالح كركر (أغسطس 1987 وحتى أكتوبر1988)، وجمال العوى (أكتوبر1988 وحتى إبريل 1988)، والصادق شورو (إبريل 1988 وحتى مارس 1991)، ومحمد القولي (مارس 1991)، ومحمد العكروت (مارس 1991)، ومحمد بن سالم (أبريل 1991 وحتى يوليو 1991)، والحبيب اللوز (يوليو 1991 وحتى سبتمبر 1991)، ونور الدين العرباوي (أكتوبر1991)، ووليد البناني (أكتوبر1991 وحتى نوفمبر1991) ثم راشد الغنوشي من نوفمبر1991 م وحتى اليوم، بعد التجديد له.

وقد استطاعت الحركة أن تلعق جراحها وتلملم ما انفرط من عقدها، بعد عقود من القمع والملاحقات الأمنية بإعادة تنظيم نفسها، وتواصل الخارج مع الداخل، وذلك في ظرف وجيز لاسيما منذ وصولها للحكم في 23 أكتوبر2011 لتشكل الطرف الرئيسي في الترويكا الحاكمة بالتحالف مع حزبين يساريين هما المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.
الجريدة الرسمية