رئيس "الشئون القانونية السابق" بمصلحة الضرائب : يجب غربلة القوانين لمحاسبة المتورطون في تزوير الإقرارات المالية (حوار)
التعديلات الكثيرة على القوانين ضد الاستثمار تعطي انطباعا أننا دولة غير مستقرة تشريعيًا
«قوانين فضفاضة وانفعالية وتقوم على العاطفة».. حقيقة أكدها الدكتور محمد عمران، رئيس قطاع الشئون المالية بمصلحة الضرائب المصرية سابقًا، في بداية حديثه عن الأزمات التي يعانى منها القطاع الضريبي في مصر، وتزايد معدلات التهرب الضريبي، مؤكدًا ضرورة أن تغلظ العقوبات الخاصة بالتشريعات الضريبية إلى جناية وليست مجرد جنحة.
«عمران»، شدد أيضا على أهمية الاهتمام بالعنصر البشرى ومنحه التدريب الكافى لممارسة عمله، مشيرًا إلى أن الواقع يقول « أعطني تشريعا عاديا وإدارة ممتازة ستجد هذا التشريع مطبقا تطبيقا ممتازا»، وعن إستراتيجية التدريب الواجب على الدولة اتباعها، وتورط عدد من مكاتب المحاسبة في عمليات «التهرب الضريبي» وموقفه من التعديلات المستمرة التي يتم إدخالها على القوانين المنظمة لجمع الضرائب وأمور أخرى كان الحوار التالى:
بداية.. من واقع خبرتك الممتدة.. ما الإجراءات الواجب على الدولة اتخاذها لمواجهة مافيا «تزوير الإقرارات الضريبية»؟
لا نريد أن نتحدث عن اتهامات لأشخاص بعينهم، لكن هذه الظاهرة بالفعل متواجدة في هذا التوقيت بكثرة، وللأسف لا يوجد أي مكتب محاسبة تمت محاسبته حتى هذه اللحظة حتى ولو تم إثبات مشاركة محاسبيه بعض الممولين للتهرب من الضرائب، وذلك في رأيي يعود إلى غياب ما يعرف بـ «الوطنية الضريبية»، فمهما أصدرت الدولة من تشريعات وغلظتها، طالما الوطنية غائبة.
ولا يوجد من يخاف على مصلحة الدولة فلا أساس لهذه التشريعات ولا دور حقيقي، فنحن لدينا تشريعات مغلظة في هذا الأمر، فجريمة التهرب التضريبي في ظل قانون الضريبة على القيمة المضافة كانت جنحة أصبحت الآن جناية بعد قانون 67 لعام 2016، وضريبة الدخل بعد أن كانت جناية أصبحت جنحة، وهذا في رأيي ما هو إلا انفعالات تشريعية لا أساس متين لها تواجه به المتهربين من الضرائب أو معاونيهم.
ما الذي تقصده هنا باستخدامك وصف «انفعالات تشريعية»؟
الانفعالات التشريعية أعني بها هنا عدم وجود تشريعات ناضجة واعية تكون واضحة وشفافة وغير قابلة لكثرة التعديلات في فترات وجيزة، فهي تشريعات غير مدروسة نهائيا؛ فمثلا كانت جريمة التهرب الضريبي جناية، حتى جاء قانون 91 لسنة 2005 وأصبحت بموجبه جنحة، بعد ذلك قانون 67 لعام 2016 أصبحت ضريبة القيمة المضافة جناية.
هذا بدوره أدى إلى زيادة عدد مكاتب المحاسبين الذين يساعدون الممولين في التهرب من الضرائب، وهنا يقع عليهم اتهام المساهمة الجنائية وتقع عليهم عقوبات المتهربين بالضبط، لكن لا تطبق عليهم هذه العقوبة.
تقصد أن مكاتب المحاسبين التي تساعد الممولين في التهرب من الضرائب لم تقع تحت طائلة القانون حتى هذه اللحظة؟
نعم.. فمن المعروف في قانون العقوبات أن المساهمة الجنائية أو تعدد الجناة ووحدة الجريمة، بمعنى أن هناك أكثر من شخص تشاركوا في جريمة واحدة، فالممول فاعل أصلي الذي ساعده هو من مد له يد العون، وهذا الشريك يستمد إجرامه من الفاعل الأصلي، وهناك نصوص متعلقة بمسئولية المحاسب القانوني، لكن إذا ذهبنا إلى أرض الواقع لا يوجد أي مكتب أو محاسب تمت إدانته، وسبب ذلك أن المحاسب لا يترك أي أثر خلفه، والجهاز الضريبي يفشل في إثبات التهمة عليه، فيتمادى المحاسب في فعلته، لذلك أرى أن الجهاز الضريبي يحتاج إلى «غربلة» تامة.
برأيك.. كيف يمكن تنفيذ «غربلة» الجهاز الضريبي المصرى؟
أقصد هنا إعادة النظر فيه وفي تشريعاته والاستعانة بكفاءات، عملت في جهاز مصلحة الضرائب نحو 40 عاما، لم أجد ما وجدته الآن فنحن في أيام قاتمة، كل يوم نسمع عن القبض عن هذا المسئول أو ذاك، قديمًا كان هناك انضباط ولا يتواجد هذا الثراء الذي ظهر على مسئولي الضرائب أو بعضهم ولا يمكننا أن نقول جميعم فأين الرقابة!، وسط كافة طرق التهرب التي ظهرت مؤخرا فلا بد من الرد القاطع والحاسم على هذه التجاوزات.
معروف أن الدولة المنظم لعملية توزيع الأعباء على الجميع وفقا لمقدرتهم على الدفع، إلى أي مدى تقوم الدولة بهذا الدور؟
هذا مبدأ في المالية العامة في مصر، فكل شخص لديه مقدرة أو طاقة ضريبية والدولة هي المسئولة عن تنظيم عملية دفعه للأموال، لكن المشكلة في الممولين ومن يعاونهم، فالدولة تقوم بدورها وتعدل قوانين ضريبة الدخل والقيمة المضافة والإجراءات الضريبية وستجرى المزيد من التعديلات أيضا من أجل السعي نحو الكمال في عملية التنظيم هذه، لكن دائما تظل المشكلة في الطرف الآخر الذي لا يدفع.
بالحديث عن ضريبتي القيمة المضافة وضريبة الدخل، ماذا ينقص هذان القانونان حتى يتناسبا مع طبيعة العمل والتوزيع داخل الدولة؟
ينقص قانون القيمة المضافة «الفاتورة الضريبية»، لتقنين عملية توزيع الأموال الناتجة عن التجارة والتبادل، فما لا يزع بالقرآن يزع بالسلطان، فالحكومة يجب أن تسن تشريعات واضحة حتى لا يسارع الممول إلى جمع أكثر من الـ 14% المخصصة له وفقا لقانون القيمة المضافة، فكلما كان القانون والتشريع الضريبي واضحا، كلما كانت عملية التوزيع واضحة وكذلك التطبيق، فتكون القوانين غير قابلة للتأويل.، وسوف لن ندع أحدا يتجنب أو يتهرب من الضريبة من خلال الثغرات التشريعية المتواجدة في القوانين الضريبية.
أيضا التعديلات الكثيرة على القوانين ضد الاستثمار، لأن ذلك يعطي انطباعا أننا دولة غير مستقرة تشريعيا، أنا أنصح المسئولين أن يخففوا من عملية التعديل كل فترة بهذا الشكل.
كيف يتم تعديل وتطوير عملية توزيع الدخول والثروات وترشيد استخدام أموال الضرائب في الدولة، مما يحقق المنفعة لجميع الفئات المستهدفة؟
لابد أولًا وأخيرا الاستعانة بالكفاءات وتدريب المسئولين قبل تعيينهم، والاهتمام بالعنصر البشري سيؤدي إلى إصدار قوانين وتشريعات عادلة، ومن جانبى أرى أنه لم ولن تتقدم مصلحة الضرائب وتتفادى العوار المتواجد بها في هذه الفترة إلا من خلال رفع كفاءة العنصر البشري، فأعطني تشريعا عاديا وإدارة ممتازة ستجد هذا التشريع مطبق تطبيقا ممتازا.