البردونى..عالم أسطورى حافل بالرؤى والنبوءات
في نوفمبر 2000.. أجرت مجلة «العربي» حوارًا مع الشاعر اليمنى الكفيف عبد الله البردوني.. وكتبت في مقدمته: ربما يمثل هذا الحوار الوصية لشاعر عرف عن الحياة بؤسها أكثر مما عرف من مجدها وزهوها، فهذا الأعمى الذي رأى كل شيء.. حول ظلمته إلى عالم أسطوري حافل بالرؤى والنبوءات.
عاش البردوني في اليمن - مهد اللسان العربي وموطن بلاغته - لذلك فقد كان شعره تعبيرًا عن وعي جمعي متراكم من أجيال من الشعراء العرب، هاجروا مع قبائلهم من مأرب، واستقروا في صحراء العرب، حتى جاءت رسالة البعث الإسلامي، فحملوها إلى كل مكان.
ويوصف البردوني بأنه آخر الشعراء العرب الكلاسيكيين الكبار، وأبرز المتميزين في كتابة القصيدة العمودية، وله «12» ديوانًا، صدر أولها في العام 1961، وله «8» كتب تتناول تاريخ اليمن المعاصر السياسي والثقافي والاجتماعي.
وكان الحوار.. أجري معه قبل وفاته بـ «10» أيام، حيث وافته المنية في «30» أغسطس 1999 عن «71» عامًا.
وقال البردوني في إجاباته:«إن العمى أصابني وأنا ابن «5» أعوام.. وما عميت إلا وقد كانت عندي دراية بالحركة.. أين أصعد إذا كانت أمامي صخرة، وكيف أنزل من الصخرة.. فبقيت في ذاكرتي تلك الأماكن التي كنت أروح وأغدو منها وإليها.. وسرعان ما أتممت حفظ كتاب الله».
اعترف البردونى بأنه كان من أسرة فقيرة جدا، وكانت تشعره بأن إعالته هم ثقيل عليها، وكان ذووه يمطرونه بكلمات رديئة.. تزيده إحباطًا وبؤسًا.
مؤكدًا.. أنه صمد أمام كل هذه الأمواج المتلاطمة والعاتية، وتجاوزها.. وفتح الأبواب الموصدة، وتمكن من متابعة كتابات الأديب، المصري ورفيقه في محنة العمى طه حسين، وروايات الأديب المصري نجيب محفوظ وكل الإبداعات العربية.
وفي سؤال عن كيفية جمعه بين كتابة الشكل الشعري المتهم أصحابه بالرجعية، وبين مواقفه السياسية الملتزمة بقضايا العصر الحديثة أجاب بقوله: قضايا العصر الحديثة سياسة ضرورية، لأنها عدالة أمر بها الله ويطلبها الشعب، لأنها حرية، وهي من حق الشعب في أن يعبر بصوت عال وأن يفكر بصوت صامت، وأن يكتب بأمانة، لا رقيب عليه إلا ضميره.
وبالرغم من حصوله على جوائز أدبية مهمة.. جاءت تتويجًا لمسيرته الأدبية، وتقديرًا لإبداعاته.. إلا أنه كان يعتقد أن الجوائز ليست مهمة في تطور الشعر أو ركوده، ولكنها قد تكون نفحة إنسانية أو مبادرة كريمة، لا يرتجى منها جزاء. وإلى اللقاء مع مبدع جديد من العميان..