رئيس التحرير
عصام كامل

الكونغو تضيء إفريقيا بسد «إينجا 3».. 2015 إشارة البدء في المشروع.. "الصين وإسبانيا وكوريا" تتنافس على تنفيذه.. 50 مليار دولار تكلفته الإجمالية.. 4800 ميجاوات أولى بشائره

جوزيف كابيلا رئيس
جوزيف كابيلا رئيس الكونغو

تتحرك جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا لإقامة ما يصفه الخبراء بأنه يكون أكبر سد لإنتاج الكهرباء على مستوى العالم، حيث يقع السد المزمع إنشاؤه "إينجا 3" على نهر الكونغو الذي يعد ثاني أكبر أنهار العالم بعد نهر الأمازون وتضيع مليارات الأمتار المكعبة من مياهه هباء في مياه الأطلسي.


وحددت حكومة الكونغو شهر أكتوبر من عام 2015 موعدًا لإعطاء إشارة البدء في تنفيذ أولى مراحل السد الجديد.

وبحسب الخبراء، يحتاج مشروع "إينجا 3" إلى شبكات لنقل وتوزيع للطاقة المولدة عنه تتكلف إقامتها 10 مليارات دولار أمريكي لتصل بذلك تكلفة المشروع إنشاء وتوزيعا إلى 50 مليار دولار أمريكي، حيث تعد الكونغو وجنوب إفريقيا صاحبتي المصلحة الرئيسية في تدبيرها.

وفى إطار ذلك، قال المتحمسون للمشروع إن قدرته على التوليد تكون بعد اكتمال مراحل إنشائه كافية لإنارة مساكن نصف مليار إفريقى وهى الغاية التي تتقزم أمامها أية تكلفة لمشروع لا يزال يبحث عن مصادر للتمويل، أما المتحفظون على المشروع فيرون أن طبيعة حركة مياه نهر الكونغو التي تتسم بالانتظام والثبات وقوة التدفق الهائلة تجعل توليد الكهرباء منه لا يحتاج إلى بناء سدود كبيرة أو إقامة أحواض تخزين عملاقة للمياه تستدعى تهجير أعداد كبيرة من سكان محيطها أو إغراق مساحات كبيرة من الأراضى بالمياه المخزنة في تلك الأحواض وجميعها تشكل محاذير بيئية ذات خطورة لا يجب إغفالها وسط اندفاع البحث عن أفكار لاستغلال مياه نهر الكونغو في إنتاج الطاقة.

وبرغم ما يتطلبه مشروع سد "إينجا 3" من جهود وتمويل وإنشاء لمشروعات مكملة لبناء شبكات توزيع الضغط العالى في مناطق القارة التي ستشترى كهرباء السد، يرى خبراء الكونغو الديمقراطية أن بناء السد في حد ذاته وكافة شبكاته الارتباطية يكون عامل توحد وسلام في جنوب وشرق القارة الإفريقية ويعتبرون أن هذه الشبكات شرايين سلام وتعاون وتكامل على مستوى إقليم البحيرات العظمى ودولها.

وتؤكد كل الشواهد على بزوغ اهتمام عالمى بمنطقة البحيرات العظمى التي تعد معينا لا ينضب لنهر النيل وتحوى أراضي دولها ثروات طبيعية وزراعية وبشرية هائلة قابلة للاستغلال إذا حلت أجواء الاستقرار والسلام في هذه المنطقة كبديل عن أجواء التوتر والصراع، وتعد زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس البنك الدولى كيم يونج كيم للكونغو الديمقراطية مؤشرا على تنبه العالم لأهمية تلك المنطقة.

وعبر الأمين العام للأمم المتحدة في العاصمة الكونغولية كينشاسا بعد لقاء مع الرئيس الكونغولى جوزيف كابيلا في 23 من مايو الماضى عن قناعته بأن لحظة تاريخية تنتظر منطقة البحيرات العظمى إذا استتب السلام فيها ودخلت قاطرة التنمية إليها.

وتعد الكونغو الديمقراطية من الناحية الإستراتيجية، من أكثر مناطق إقليم البحيرات العظمى سخونة بالأحداث وذلك على مدى عقود طويلة خلت، ففى العام 1960 وصلت أول بعثة حفظ سلام تتبع الأمم المتحدة إلى الكونغو الديمقراطية وكانت القوات المصرية في طليعة تلك القوة الأممية في تلك اللحظة التاريخية.

وفى نهاية 2011 أصبح للأمم المتحدة 25 بعثة حفظ سلام في إفريقيا يتمركز معظمها في منطقة البحيرات العظمى بعد انزلاق أقدام المنظمة الدولية في مشكلات القارة التي لا تنتهى ومن بينها مشكلة توفير الكهرباء وارتباطها بقضايا الأمن المائى.

وتؤكد تقارير إخبارية أن جنوب إفريقيا دخلت على خط التعاون مع الكونغو الديمقراطية كشريك في بناء السد الجديد الذي يروض مياه نهر الكونغو، ففى الـ20 من مايو الماضى تم الإعلان رسميا عن شراكة بين الكونغو وجنوب إفريقيا لبناء سد "إينجا 3" الذي يولد 40 ألف ميجاوات من الكهرباء والذي حددت حكومة الكونغو أكتوبر 2015 لإعطاء إشارة البدء في تنفيذ أولى مراحل إنشائه ليكون سدا كفيلا بإنتاج كهرباء تكفى لإنارة نصف القارة الإفريقية.

وكانت بداية دخول جنوب إفريقيا على خط قطف ثمار مشروع سد "إينجا 3" على نهر الكونغو في مارس 2013 بتوقيع اتفاق شراكة إستراتيجية مع حكومة الكونغو الديمقراطية وهو التوقيع الذي تم في مدينة لومومباتشى الكونغولية لتبدأ بذلك أولى الخطوات العملية لمشروع عملاق بدأ أول ما بدأ تفكير الكونغوليين فيه في مطلع سبعينيات القرن الماضى.

وبمقتضى اتفاق مارس 2013 تشترى جنوب إفريقيا حصة ضخمة في أسهم أصول مشروع السد على نهر الكونغو وهو ما من شأنه إعطاء جنوب إفريقيا وضع الشريك الرئيسى في هذا المشروع العملاق وهو ما أعلنته حكومة الكونغو الديمقراطية وأكدته رسميا في بيان صدر أواخر الشهر الماضى، قالت فيه إنه بموجب تلك الشراكة تحصل جنوب إفريقيا على 2500 ميجاوات من 4800 ميجاوات تولدها أولى مراحل السد الجديد وهو ما يجعل جنوب إفريقيا، فضلا عن كونها شريكا في المشروع، أكبر مشترٍ للكهرباء المولدة منه أيضا.

وفي هذا الصدد صرحت جاريث بيزديونت الوكيل الأول لوزارة الطاقة في جنوب إفريقيا، أن حكومة جوهانسبرج قد أكدت مكانتنا كمشترين رئيسيين لكهرباء السد بإدراج تمويلات شراء حصة الكهرباء المشار إليه من إنتاج السد في خطط الموازنة العامة للدولة".

ووفقا لتقارير صحفية محلية في العاصمة كينشاسا، شهدت العاصمة الفرنسية باريس نهاية مايو الماضى اجتماعا دعت إليه ونظمته حكومة الكونغو الديمقراطية وحضره وفد رفيع المستوى من جمهورية جنوب إفريقيا وخبراء عالميون في مجالات السدود طلبت الكونغو مشورتهم في تنفيذ أولى مراحل مشروع سد إينجا 3 على نهر الكونغو الذي يقدر الخبراء فاتورة إنشائه بنحو 12 مليار دولار أمريكى.

ويوجد في الكونغو الديمقراطية سدان قديمان يحملان نفس اسم السد الجديد على نهر الكونغو وهما "إينجا1" الذي بدأ تشغيله في العام 1972 و"إينجا 2" الذي بدأ تشغيله في 1982 وكلاهما ينتج 1800 ميجاوات من الكهرباء، ويتوقع أن يسد مشروع إينجا 3 فجوة الكهرباء التي تحتاجها جمهورية الكونغو الديمقراطية ذات الكثافات السكانية المتنامية وكذلك تأمين احتياجات جنوب إفريقيا من الكهرباء وذلك عند اكتمال مرحلة إنشائه الأولى.

ووفقا لدراسات جدوى المشروع يكون إجمالي إنتاج مراحله الثلاث من الكهرباء هو 40 ألف ميجاوات تكفى لسد احتياجات جول جنوب وشمال شرق إفريقيا وأجزاء من غربى القارة، حيث يكون مصدرا لما يعادل نصف إنتاج إفريقيا من الطاقة الجديدة والمتجددة بأسعار منخفضة وهو ما أكده برونو كالالا وزير الموارد المائية والكهرباء في حكومة أوغندا خلال مشاركة في اجتماعات باريس.

وتتنافس حاليا ثلاث مجموعات عالمية كبرى على الفوز بعروض إنشائه وإدارت "سد إينجا 3" نظرا لأهمية المشروع وهى ساينوهادرو إند ثرى جورجز كوروبريشن وهى مؤسسة صينية عملاقة متخصصة في بناء وإدارة السدود المائية وتدير فعليا سد ثرى جورجز الصينى الذي يعد أكبر سد في العالم حاليا، كما تتنافس على المشروع مؤسسة أكتيفيداد كونستركسيونى يوروفينسا وهى مؤسسة إسبانية، وأخيرا يتنافس على الفوز بالمشروع ائتلاف يضم مؤسستى دايو بوسكو الكورية الجنوبية ولافالينا الكندية لمشروعات السدود.


كما يعد البنك الإفريقى للتنمية إحدى الجهات المهتمة والمتابعة لملف هذا المشروع العملاق منذ العام 2009 حيث يمول البنك الدراسات الأساسية ذات الطابع الاستشارى للمشروع وذلك بالتعاون الوثيق مع مؤسسة البنك الدولى ووكالة الإنماء الفرنسية وبنك الاستتثمار الأوربي وبنك التنمية في جنوب إفريقيا.

ويقول خبراء البنك الإفريقى إن تمويل إقامة هذا المشروع الضخم والمقدرة بنحو 12 مليار دولار أمريكى لن تكون أمرا سهلا، وترى هيلا شيكبورو مديرة قطاع الطاقة والبيئة والتغير المناخى في بنك التنمية الإفريقى أن سيناريو الشراكة بين مستثمرى القطاع الخاص والحكومات والمؤسسات التمويلية المانحة قد يكون هو السيناريو الأفضل لتمويل هذا المشروع الإستراتيجي.

ويعد نهر الكونغو ثانى أكبر أنهار العالم بعد نهر الأمازون الأمريكى، وفى 18 مايو الماضى، أعلنت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية في باريس أنها ستبدأ في تنفيذ المرحلة الأولى من سد إينجا 3، لإنتاج الكهرباء الهيدروليكية من شلالات مياه إينجا التي تقع قرب العاصمة الكونغولية كينشاسا وتصل نسبة التصرف المائى لها 42 ألف متر مكعب في الثانية الواحدة وتتدفق بسرعات متنوعة عبر ارتفاعات تصل إلى 100 متر وعلى امتداد 15 كيلومتر.

اكتسبت فكرة إقامة هذا السد الجديد زخمها بتعهد قادة العالم بدعم الفكرة من خلال مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا نيباد، التي تحتضن جمهورية جنوب إفريقيا مقرها، وتبدى شركات التشييد والهندسة الصينية في الوقت الراهن اهتماما كبيرا بالمشروع بما في ذلك مؤسسة ساينو هايدرو وهى أكبر مؤسسة لبناء السدود في العالم، وتولد أولى مراحل مشروع سد إينجا 3 الجديد على نهر الكونغو 4800 ميجاوات من الكهرباء وهى المرحلة التي يبدأ العمل فيها في العام 2015 باستثمارات قدرها 5. 8 مليارات دولار أمريكى، وتتطلع جمهورية جنوب إفريقيا إلى الانتفاع من الكهرباء المولدة عنه عبر شبكات إيصال تمتد لمسافة 3000 كيلومتر.

وبشكل عام سيكون للمشروع آثاره الإيجابية التي تغير وجه الحياة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي يعيش ثلاثة أرباع سكانها بدون كهرباء، وتدعم وكالات الإنماء التابعة للأمم المتحدة مشروع سد إينجا 3 على نهر الكونغو تنفيذا للهدف الإستراتيجي الذي يتبناه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وهو "الكهرباء الدائمة للجميع" والذي عبر عنه كيمون خلال زيارته الأخيرة للكونغو ودول منطقة البحيرات العظمى في مايو الماضى.

ويقول المراقبون إن زيارة أمين عام الأمم المتحدة ورئيس البنك الدولى غير المسبوقة للكونغو الديمقراطية ومنطقة البحيرات العظمى أواخر الشهر الماضى جاءت لتدعم اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بوساطة أممية في الحادى عشر من فبراير الماضى وبمصادقة 11 رئيس دولة إفريقية لإنهاء الصراع الدائر في شرق الكونغو وبناء سلام أوسع في إقليم بحيرات النيل العظمى.


وعسكريا، تعمل الأمم المتحدة من خلال لواء حفظ سلام تنتشر تشكيلاته في شرق الكونغو على تثبيت اتفاق السلام المبرم في 11 فبراير بين الحكومة الكونغولية ومقاتلى حركة 23 مارس المتمردة على نظام كابيلا والتي تخوض قتالا شرسا وحروب عصابات في إقليم كيفو بشرق الكونغو، وبالإضافة إلى حماية المدنيين تقوم قوات الأمم المتحدة بالتدخل الاستهدافى الهجومى عسكريا سواء بمفردها أو بالمشاركة مع القوات الكونغولية الحكومية ضد جيوب التمرد والعناصر المسلحة التي تنتهك اتفاق السلام أو ترتكب أية خروقات أمنية لإفشاله.

أما على الصعيد السياسي تلعب مارى روبينسون المبعوث الخاص لأمين عام الامم المتحدة لمنطقة البحيرات العظمى دورا كبيرا لبناء أجواء هادئة في الإقليم وتوجيه أعمال بعثة التثبيت الأمنى الموفدة من قبل الأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية والمساعدة في إعادة تأهيل المدنيين من آثار عقود من الاعتداءت والانتهاكات لاسيما النساء اللاتى تشير التقارير الأممية إلى إصابة 40 ألفا منهن بأمراض جنسية خطيرة ناتجة عن عمليات اغتصاب.
الجريدة الرسمية