انتفاضة برلمانية ضد “التهرب الضريبي”.. النواب يحذرون من انعدام الثقة في الحكومة ويضعون “خطط المواجهة والإصلاح”
بحثًا عن إعادة الثقة المفقودة بين الحكومة والممول، والتى نتج عن غيابها خسارة الدولة مليارات الجنيهات سنويًا تحدث عدد من نواب البرلمان عن أزمة «التهرب الضريبى»، والتعنت فى الإجراءات والتعسف فى استخدام السلطة وقلة عدد الموظفين ولجان الطعن والحصر الدقيق وغياب المعلومات، مطالبين بنظام ضريبى جديد، يرسخ الثقة بين الممول والحكومة، ويتضمن إجراءات ميسرة وتدريب للموظفين، بالإضافة إلى سرعة تفعيل الشمول المالى، وإقرار قانون الضرائب الجديد، وإعداد قاعدة بيانات حقيقية عن أصحاب المهن الحرة والاقتصاد الموازى، وكذلك تشديد العقوبات على المتهربين ضريبيًا.
انعدام الثقة
من جانبه قال النائب أحمد سمير، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب: الأزمة الحقيقية وراء التلاعب الضريبى، تتمثل فى انعدام الثقة بين الممول والحكومة والتعنت فى الإجراءات من ناحية الحكومة تجاه الممول، والتعسف فى استخدام السلطة من جانب صغار الموظفين، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا خلاف حول أن الضرائب حق أصيل للدولة وواجبة على كل ممول ومواطن.
وأوضح «سمير» أنه «هناك أربعة مصادر لإيرادات الدولة، وهى الضرائب، والرسوم، ومقابل الخدمات، وقيمة أو ثمن أراض على سبيل المثال، والضرائب تمثل أكثر من ٧٥ فى المائة من إيرادات الدولة، وعائدها بالإضافة للرسوم يذهب للنفع العام، وهو الأمر الذى يتطلب الاهتمام به ببناء جسر من الثقة بين الدولة من خلال نظام ضريبى يسمح بحصول الدولة على كامل حقها الضريبى، وكذلك يسمح للممولين بالحصول على حقوقهم ويشجعهم على الالتزام الضريبى».
وأضاف رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، أنه «حال وجود نظام ضريبى واضح وإجراءات ميسرة لفض النزاعات، مع تقصير مدة الحساب الضريبى، فإن هذه الأمور ستساعد فى القضاء على التلاعب الضريبى، وما يتم حاليًا من إجراءات تتمثل فى التقديرات الجزافية على الممولين، نظرا لعدم وجود عدد كبير من مأموريات الضرائب تعمل على سرعة إنجاز الحسابات الضريبية، يتسبب فى عزوف البعض عن الالتزام ضريبيًا، كما أن إجراءات الحجز على كامل أموال وممتلكات الممول، بعدما يتم اتخاذ خطوة تسمى (إعلان لوحة) تفيد بعدم التوصل لمكان الممول، تؤدى إلى عزوف الممولين عن الالتزام الضريبى وكذلك سحب أموالهم من البنوك خوفًا من الحجز عليها فى أي وقت، بسبب التعنت فى الإجراءات الضريبية تجاههم، وهو ما يتعارض مع توجه الدولة لتطبيق الشمول المالى».
المهن الحرة
وتابع: بالنسبة للمهن الحرة، لا بد من الأخذ فى الاعتبار مصروفات هذه الفئات خلال محاسبتهم ضريبيًا، بمعنى النظر إلى ما يقدمونه للدولة من خدمات متمثلة فى مصروفاتهم وتشغيل عمالة وغيرها، وذلك حتى يتم تشجيعهم على الالتزام ضريبيًا، كما يجب العمل على تقصير مدة الحساب الضريبى، نظرًا لأن مدة خمس سنوات كبيرة ويتم احتساب فوائد مالية خلالها على الممول، وحال تقصير المدة سيساعد الممول على السداد، كما يضخ أموالا للدولة بشكل سريع.
رئيس «اقتصادية النواب» وضع روشتة لعلاج ذلك التشوه الضريبى، الذى يهدر على الدولة عشرات المليارات من الجنيهات، تتضمن نظام ضريبى جديد يضمن حق كل من الدولة والممول، عبر إجراءات ميسرة فى مدة قصيرة بقدر الإمكان، بالإضافة إلى سرعة إنجاز خطوات الشمول المالى وضم الاقتصاد الموازى للاقتصاد الرسمى، ووضع خطوات ميسرة لحالات النزاع الضريبى لا تصل إلى الحجز على كامل ممتلكات الممول، وكذلك تدريب صغار الموظفين للتعامل بشكل جيد مع العملاء والممولين وعدم التعسف فى استخدام السلطة.
الشمول المالي
كما أكد أنه «بتفعيل الشمول المالى، وتيسير الإجراءات الضريبية، ستغلق جميع أبواب الفساد والتلاعب الضريبى، حيث ستكون كل الموازنات والحسابات واضحة عبر أجهزة الكمبيوتر لدى الدولة، وهو ما يقضى على أي محاولة للتلاعب». بدوره كشف النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة فى مجلس النواب، عن أن الفترة المقبلة ستشهد تعديلا تشريعيا فى ملف الضرائب، لمواجهة زيادة نسبة التهرب، والتى تؤثر بشكل كبير فى الاقتصاد القومى، مشيراً إلى أن هناك مجموعة العوامل تؤدى لزيادة نسبة التهرب الضريبى، فى مقدمتها مكاتب المحاسبة والتى تقوم بـ«تستيف الأوراق» بما يضيع على الدول المليارات كل عام.
كما شدد على دور المواطن فى مواجهة التهرب الضريبى، من خلال التمسك بحقه فى الحصول على الفاتورة، مشيرا إلى أن المهن الحرة تعتبر من أكثر الفئات تهربا من الضرائب وفى مقدمتهم الأطباء والمحامون. وشدد "عمر" على أن التهرب الضريبى له تأثير كبير على الاقتصاد، لا سيما أن الضرائب يتم توظيفها فى الخدمات العامة والمشروعات وغيرها، ونقص الحصيلة يكون له تأثير كبير فى وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه المواطنين، مبيناً أن الأمر يتطلب تدخلا تشريعيا عاجلا فى القانون، وعلينا البدء بإعادة النظر فى تعريف التهرب الضريبى، حتى يمكن حساب هذه النسبة بشكل دقيق، لا سيما وأنه هناك العديد من المواطنين ممن تعرضوا للظلم بسبب قوانين الضرائب.
تعديل تشريعي
والأمر لا يقف عند تعديل قانون الضرائب، لكن لا بد من تعديل تشريعى ثانى لضم الاقتصاد غير الرسمى للاقتصاد الرسمى، وهذا سيكون له تأثير إيجابى فى زيادة الحصيلة.
ونوه إلى أن أصابع الاتهام تشير إلى بعض مكاتب المحاسبة الكبرى تلعب دورًا فى زيادة نسبة التهرب الضريبى، من خلال ما وصفه بـ«تستيف الأوراق» بما يساعد فى خفض نسبة ما تلتزم به المؤسسة من ضرائب، وهذه أحد الأسباب فى زيادة نسبة التهرب الضريبى، بما يضيع الكثير على حصيلة الدولة من مواردها عبر الضرائب.
وطالب "عمر" بتدابير صارمة تضمن تحصيل الضرائب من أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمحامين باعتبارهم الأكثر تهربًا من الضرائب.
فى نفس السياق قال النائب عصام الفقى، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب: مواجهة التهرب الضريبى تبدأ بإصلاح منظومة الضرائب فى مصر، من خلال إصلاح الجهاز الإداري لمصلحة الضرائب، ودعم المنظومة بالعدد اللازم من الموظفين الجدد، وزيادة عدد لجان الطعن، والضرائب تعد المصدر الرئيسى لموازنة الدولة، حيث تمثل نحو ٧٥ فى المائة إيرادات الدولة، وهو ما يتطلب العمل على زيادة إيراداتها لتتعدى التريليون جنيه سنويًا.
وكشف «الفقى» أن نحو ٢٥ فى المائة من الممولين يتهربون ضريبيا بسبب ضعف منظومة الرقابة الضريبية، مطالبًا بزيادة عدد الموظفين ولجان الطعن على مستوى الجمهورية، ومنح حوافز مالية لهم لتشجيعهم على التحصيل، بالإضافة لتفعيل الإقرار الضريبى الإلكترونى.
وتابع أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان: لا بد أيضًا من تشديد العقوبات على المتهربين ضريبيًا، وكل من يساعد فى التحايل الضريبى، سواء موظفى الضرائب أو مكاتب المحاسبة أو الممولين، وذلك بالتوازى مع إصلاح منظومة الضرائب، هذا فضلًا عن تشديد الرقابة الضريبية بالمحافظات الكبرى فى مقدمتها القاهرة الكبرى، والتى تضم كبار الممولين من مختلف المجالات سواء اقتصاد موازٍ أو مهن حرة مثل الأطباء والمحامين وغيرهم، كما أنه من الواجب إعادة النظر فى طريقة اختيار القيادات بمصلحة الضرائب، بحيث لا يكون معيار الأقدمية هو العامل الرئيسى فى المقام الأول، وهذا مسئولية وزير المالية وبإشراف رئيس الوزراء، كما يجب نشر الوعى الضريبى لدى الممولين، حتى يتم تشجيعهم على الالتزام بدفع الضرائب المستحقة عليهم.
مشروع قانون
من جهتها كشفت النائبة ميرفت ألكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة، أنها تقدمت بمشروع قانون بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم (91) لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل، بهدف مواجهة التهرب الضريبى، موضحة أن «التعديل يتعلق بقطاع المهن الحرة وغيرها من المهن غير التجارية، والتى لا يوجد بها حصر أو وسائل لحصر إيراداتها، بسبب عدم إصدارها فواتير أو إيصالات».
وأضافت: التعديل يلزم كل ممول من الذين يزاولون نشاطا تجاريا أو صناعيا والذين يزاولون مهنة حرة وغيرها من المهن غير التجارية أن يُقدم إلى المصلحة إقرارا بما لديه من ثروة هو وزوجاته وأولاده القصر مهما تنوعت وأينما كانت، وذلك خلال 6 أشهر من تاريخ مزاولة النشاط الذى يخضع إيراده للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية أو للضريبة على أرباح المهن غير التجارية، ويُقدم هذا الإقرار على النموذج المُخصص وطبقا للأوضاع التى تحددها اللائحة، كما تنص المادة الثانية، أنه إذا امتنع أحد الزوجين عن التوقيع على الإقرار تخطر المصلحة بذلك وعليها تكليف الممتنع عن التوقيع بتقديم إقرار مستقل خلال شهر من تاريخ الإخطار.
وحول تشديد العقوبات على المتهربين، قالت: نص التعديل على أن يُعاقب بالحبس أو بغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه كل من ذكر عمدًا بيانات غير صحيحة فى إقرار الثروة، وكذلك المعاقبة بالحبس أو بغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه لكل ممول لم يقدم إقرار الثروة خلال شهر من تنبيه مصلحة الضرائب عليه بموجب خطاب موصى عليه بعلم الوصول.
نقلًا عن العدد الورقي..