الكاتب نعمان عاشور يكتب: من أنا؟
فى مجلة الجيل عام 1954 كتب الكاتب المسرحى نعمان عاشور فى يوم مولده السادس والثلاثين ــ ولد فى مثل هذا اليوم 1918 ورحل 1987 ـــ مقالا قال فيه: لو أننى أعرف من أنا لما كنت هذا الذى الآن.. لكن ماذا يمكن أن أكون؟ من هنا تنبع حيرتى المستمرة وهى حيرة لا تضارعها إلا حيرة (هاملت) لفرق بسيط واحد هو أن الانتقام النهائى لا يكون من نفسى، والتفسير لكل ذلك أننى رغم معقوليتى أساير حياتى من البداية وليس فى ذهنى أن أحقق اهدافا سريعة عاجلة بالنسبة لما اكتبه.
وأفاجأ بكل فترة أن هناك ما هو أبعد من احتمالاتى جميعا.. ربما وهذا هو تعليلى الخاص أن هناك قوة خفية دائمة تسيطر على مصيرى وتحركاتى إلى حيث لا أتوقع ، ومن أجل ذلك ترانى لا اهتم كثيرا بنفسى ..اعنى بما يهتم به غيرى من التكلف بمكانته ووجوده فى مجال الهيئة الاجتماعية الموقرة ..وأنا الآخر غير هذا . من لا يفرق بين البشر كبيرهم وصغيرهم ..فعندى كل إنسان يأكل ويشرب ويتنفس لا يمكن أن يعظم عن غيره مادام صاحب قدمين وذراعين وأنف وأذنين ويستحيل أن يزيد فى اى طرف من هذه الأطراف البارزة عن بقية افراد البشر .
لذلك أتعامل مع الصغار نفس تعاملى مع الكبار ، حتى الفوارق العقلية والميزات الثقافية لا تشكل أدنى اهتزاز فى هذه النظرة ,,وبالتالى فهى تجنى على مكانتى ووجودى فى مجال الهيئة الاجتماعية الموقرة . وثالثا مع حرصى على ما أكون ما أشغله فلا يمكن أن أعيش على المصطلحات الدارجة التى يتعامل بها كل من كان على شاكلتى ، فقد لا ينقصنى الذوق ولا الرقة ولكنى لا استطيع أن اخدع نفسى وأخادع الآخرين بالمجاملة المكشوفة والكذب الفاضح. فترانى أسخر من نفسى قبل أن أسخر منهم ..وبهذا تهتز نظرتى إليهم بقدر ما تهتز نظرتهم لى ، وتكون النتيجة أن أقع من حالتهم فى مجال الهيئة الاجتماعية الموقرة .
نعمان عاشور يكتب: مسرحنا خالٍ من القيم والمفاهيم الشعبية
ومع ذلك فهل هذه هى مأساتى حقا ..أم أننى فى حيرتى هذه إنما أباشر ماسبق أن كشفت عنه وهو الانتقام من نفسى . ومن بعد ..فهل انتقم هاملت إلا من نفسه؟