القبطان أحمد خليفة عبد العزيز يكتب: السلامة والصحة في الذوق
الذوق كلمة جميلة موحية تَحمل في طياتها معاني اللطفِ، وحسنِ المعشر، وكمال التهذيب، وحسن التصرف، وتجنب ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بلفظ، أو إشارة أو نحو ذلك.
فهذه المعاني وما جرى مجراها تفسر لنا كلمة الذوق، وإن لم تفسرها المعاجم بهذا التفسير الملائم لما تعارف عليه الناس، وجرى بينهم مجرى العرف؛ فتراهم إذا أرادوا الثناء على شخص بما يحمله من المعاني السابقة قالوا: فلان عنده ذوق، أو هو صاحب ذوق.
وإذا أرادوا ذمه قالوا: فلان قليل الذوق، أو ليس عنده ذوق، وهكذا..
فالذوق بهذا الاعتبار داخل في المعنويات أكثر من دخوله في الحسيات كذوق الطعام والشراب، وموطن الذوق في المعنويات يدور حول العقل، والروح، والقلب، وموطنه في عالم الحسيات لا يتجاوز اللسان، أو إحساس البدن بالملائم أو المنافر. أليس المسلم مأموراً حالَ إتيانه للصلاة أن يكونَ على طهارة، وأن يأخذ زينته عند كل مسجد، وأن يأتي وعليه السكينة والوقار؟ وأن يخفض صوته حال مناجاته لربه؟ أليس منهياً عن رفع الصوت في المسجد، وعن أن يأتي وقد أكل ثوماً أو بصلاً أو نحو ذلك مما يتأذَّى منه المصلون؟ ألم يكن من أدب الزكاة أن تعطى للفقير خفية، وعلى وجه يرفع حسيسته، ولا يصدع قناة عزته؟ ألم يؤمرِ الحجاج بالسكينة وترك أذية إخوانهم؟ أليس الصيام من أعظم ما يرهف الحس، ويرتقي بالذوق، ويسمو بالروح؟ أليس فيه شعور بالآخرين، وإحساس بما يعانون من عوز الفقر، وذلة الحاجة؟
ألم تأتِ الأحاديث النبوية الشريفة منوهة بخلوف فَمِ الصائم، وأنه عند الله تعالى أطيب من ريح المسك، مع ما فيه من رائحة قد لا تروق؛ جبرًا لخاطر الصائم، ونهيًا لمن قد يجد في نفسه أذى من هذه الرائحة، أو كراهة لمن صدرت منه - أن يتفوه بما لا يليق.
وإن من علامات السعادة للإنسان أن يرزق ذوقاً سليماً مهذباً؛ فإنه إذا كان كذلك عَرَفَ كيف يستمتع بالحياة، وكيف يحترم شعور الآخرين ولا ينغص عليهم، بل يدخل السرور عليهم؛ فصاحب الذوق السليم قادر على استجلاب القلوب، وإدخال السرور على نفسه وعلى من حوله.
وإذا ساد الذوق السليم في أسرة أو مجتمع رأينا كلَّ فرد من هؤلاء يتجنب جرح إحساس غيره بأي لفظ، أو عمل، أو إشارة، أو أي شيء يأباه الذوق.
ورأينا كل فرد يقوم بما أسند إليه من مسؤولية على أكمل وجه وأتمه.
إن الذوق السليم في الإنسان يرفعه إلى حد أن يتخير الكلمة اللطيفة، والتصرف الملائم الذي يمنع الإحراج، ويدخل السرور على الآخرين، بل إن صاحب الذوق السليم يأبى النزاع، وحدة الغضب.
أما من جف طبعه، وكثفت نفسه ، وقل ذوقه - فلا تسئَل عما سيحدثه من شرخ في الناس، وما سيجلبه من شقاء لنفسه وغيره، فتراه لا يراعي مشاعر الآخرين ، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون ؛ فإذا ما حضر مجلساً، وابتدر الكلام وضعت يدك على قلبك؛ خشيةَ أن يزل، أو يفرط على أحد من الحاضرين.
وكذلك ترى قلة الذوق عند بعض الناس حتى في حال تأديتهم لشعائر الإسلام العظمى؛ فترى بعض الناس لا يراعي ذلك في الصلاة، فربما أتى ورائحته مؤذية كمن يأكل الثوم، أو البصل، أو يشرب الدخان، وترى القلوب في بعض الأحيان في المساجد قد بلغت الحناجر، فلا يحتمل الواحد أدنى توجيه أو إشارة أو طلب تقدم أو تأخر، وترى العراك الذي قد يصل إلى حد الاشتباك حول التكييف وما شاكله.
ثم إن التزاحم حول القبر، ومضايقة من يقومون بالدفن أمر يحزن القلب، ويعطل الناس.
ومما يدخل في ذلك - قلة الذوق في قيادة السيارة، ويتجلى ذلك في التهور في قيادتها، وقلةِ المراعاة لقواعد السير، ولبقية الناس ممن يسيرون في الأماكن العامة، وأذيةِ الآخرين بالتفحيط ورفع أصوات الغناء، ورمي المخلفات في الشوارع.
ويدخل في ذلك ما يفعله بعض سائقي السيارات؛ حيث يأخذ مكاناً كبيراً إذا أراد إيقاف سيارته في مكان عام، فيضيق على الناس، ويحرمهم من حقهم، ولو أنه وقف كما ينبغي لاتسع المكان، واستفاد منه عدد أكبر. ومن قلة الذوق ما تراه عند إشارة المرور من قطع للإشارة، وتسبب في الحوادث، ومن قلة الذوق ما تراه عند صرافة النقود؛ حيث ترى بعض الناس يتخطى من قَبلَه وترى منهم من إذا جاء دوره في الصرف اشتغل بمكالمة عبر جواله، وإذا فرغ من مكالمته بدأ يبحث عن بطاقته، ثم إذا صرف وقف ينظر في كشف حسابه، وربما أطال الوقوف.
كل ذلك والناس على أحر من الجمر ينتظرون فراغه، ولو أنه استعد للصرف قبل أن يأتي دوره، وانصرف حال انتهائه من غرضه - لكان خيراً له، وأكمل في أدبه.
ومن قلة الذوق ما تراه من الكتابات البذيئة على جدران الأماكن العامة؛ فهي تشوه وجه البلد حسًا ومعنىً، وتربي على قلة الحياء، وربما كانت سببًا في شيوع الفاحشة.
ومما يدخل في هذا القبيل قلةُ المراعاة لأدب المحادثة كالثرثرة، والاستئثار بالحديث، وكثرةِ الأسئلةِ وتَعمد الإحراج فيها، والحديث بما لا يناسب المقام، والتعالي على السامعين، وترك الإصغاء للمتحدث، والاستخفاف بحديثه، والمبادرة إلى إكماله، والقيام عنه قبل إكمال حديثه، والمبادرة إلى تكذييبه.
فياليت جانب الذوق يلقى عناية ونصيبًا من تربيتنا، وتعليمنا، ودروسنا، وخطبنا، وإعلامنا؛ لنتجنب كثيراً من الشرور التي ربما كان سببها التقصير في هذا الجانب .
إننى إذ تحدثت فى هذا الموضوع فإننى لا أبغى غير أن أوضح طرق السلامة فى التعاملات، فالسلامة والصحة يدخلون فى شتى مجالات الحياة وهى السلامة والصحة النفسية بين الأشخاص وبعضهم البعض وهو متمثل فى العاملين وعلاقاتهم ببعضهم البعض بين الأخوات وعلاقاتهم ببعضهم البعض بين العامل والمدير وبين المدير والمرؤوس بين الأب وأبنائه وبين العائلة وجارتها، بيننا جميعا.
أليس حان الوقت أن نكون عندنا زوق فى التعاملات والعلاقات والحب وكن متأكدا من أن كلما كان تفكيرك راقيا يكون منتجك أكثر رقيا.