برنيس.. حكاية اسم يحمل رسالة من تاريخ العسكرية المصرية إلى تركيا
افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي اليوم، قاعدة برنيس البحرية المطلة على البحر الأحمر، بحضور لفيف من القادة والجنرالات العرب.
وقال الرئيس فى تدوينة له عقب مراسم الافتتاح، شرفت اليوم بافتتاح قاعدة برنيس وتابعت استعدادات مختلف أسلحة وأفرع القوات المسلحة المصرية، كما أشاد بالأداء المتميز لقواتنا المسلحة واستعدادها الدائم للقيام بواجبها في الدفاع عن هذا الوطن.
ولكون التاريخ عبارة عن سيناريوهات مكررة عبر العصور للدول القديمة مهما طرأت عليها الحداثة، خصوصا دولة بحجم مصر ينتشر حول حدودها العدو والصديق، شاءت الأقدار أن يحمل اسم قاعدة "برنيس" رسالة إلى الأتراك فى ظل الخلافات القائمة بين البلدين، ربما رتبها الزمن وجاءت عن غير قصد من قيادة مصر وجيشها الذي تصب جهودها على التطوير بدون الالتفات إلى هراء الأعداء.
فالتاريخ القديم حدد أسماء لعدد من المدن و القواعد، كانت وستظل شاهدا على قدرة العسكرية المصرية وتفوقها.. وحكاية اطلاق اسم "برنيس" على هذه القطعة الغالية من أرض الوطن خير دليل على ذلك حتى فى عصرنا الحديث.
و"برنيس" هي أول ملكة مقدونية في مصر، واسمها الأصلي باليوناني برنيكي وسميت المدينة تيمنًا باسمها.
وبحسب مقال سابق للدكتور حسين عبدالبصير، الخبير الأثري، رئيس متحف مكتبة الإسكندرية ومدير عام منطقة آثار الهرم سابقًا، نشر فى الزميلة المصري اليوم عام 2017، تزوجت برنيس بطليموس الأول عام 316 قبل الميلاد، وتوفت عام 221 قبل الميلاد، وهي أم أهم الملوك المقدونيين وهو بطليموس الثاني، وأطلق اسمها على تلك المنطقة والتى كانت أهم ميناء تجاري فى تاريخ مصر.
وكانت الملكة بِرينيكى "أو برنيقة فى نطق آخر" هى زوجة ثالث الملوك البطالمة، الملك الشهير بطليموس الثالث إيورجتيس (246-221 ق.م).
واستمر زوجها الملك بطليموس الثالث على سياسة والده، والذى كان شريكه فى الحكم عام 247 قبل الميلاد.
وكان ملكا نشيطا عسكريا مثل جده بطليموس الأول. وتوسعت مصر فى عهده وشملت أجزاء من سوريا وليبيا والنوبة الشمالية، وخرج بنفسه على رأس الجيش المصرى فى عام 246 قبل الميلاد، ويحتل سوريا الشمالية، ثم يعبر الفرات، ويصل إلى مدينة سليوقية على نهر دجلة دون مقاومة.
وقد تمكن من السيطرة على سوريا حتى بحر إيجة بالإضافة إلى بعض جزر اليونان، وقد كان الأسطول البحري المصري من أقوى الأساطيل البحرية في ذلك الوقت.
وسرعان ما يعود إلى مصر لمواجهة المجاعة التى حدثت نتيجة انخفاض مياه النيل. فاستغل الملك سليوقس، الابن الأكبر الذى تولى العرش فى سوريا، انشغال الملك المصرى بأزمته الداخلية، فجمع جيشا، وأخذ معظم ممتلكات مصر فى سوريا الشمالية، لكن بقيت سوريا الجنوبية، بما فيها فينيقيا وفلسطين، فى أيدى بطليموس الثالث الذى لم يخرج للحرب ثانيةً طوال حياته، معتمدا على مجده الحربى الأول والدبلوماسية فى توطيد نفوذه فى الداخل والخارج. وبقدر قليل من الحروب صان الإمبراطورية المصرية وبقيت لمصر ممتلكاتها فى برقة وسوريا الجنوبية وآسيا الصغرى.
وفى عهده، حافظت الإسكندرية على مكانتها كأكبر مركز للعلم والثقافة.
وظل قصره مقصد الأدباء والعلماء من جميع أجزاء العالم اليونانى. وحاول إصلاح التقويم المصرى بإضافة يوم سادس للأيام الخمسة فى التقويم المصرى القديم. ولكن هذا المحاولة أهملت من بعده حتى تم تطبيق هذا الإصلاح فى العصر الرومانى فى روما مع يوليوس قيصر، ومع الإمبراطور أغسطس فى مصر عند احتلاله لها عام 30 قبل الميلاد. وحاول تحديد بداية التاريخ البطلمى، وتاريخ الدولة البطلمية المستقلة فى مصر، وهو عام 311 قبل الميلاد، عام وفاة الإسكندر الرابع، ابن الإسكندر الأكبر ممثل السلطة الشرعية المركزية فى إمبراطورية والده. ولم يتم العمل به وجرى التأريخ بنفس الطريقة بسنوات حكم كل ملك.
وتقرب بطليموس الثالث إلى المصريين. وأعاد إلى المعابد المصرية تماثيل الآلهة المصرية التى أخذها الفرس منهم قبل الإسكندر الأكبر.
واكتفى الملك بطليموس الثالث بالملكة بِرينيكى الثانية كزوجة واحدة له فقط، على عكس والده الملك بطليموس الثانى الذى تزوج غير أمه، الملكة أرسنوى الأولى.
وكانت الملكة برينيكى ابنة الملك اليونانى المقدونى «ماجاس»، حاكم «قورينى» -«شحات» فى ليبيا حاليا-، الذى كان العم غير الشقيق لبطليموس الثالث، والملكة اليونانية «آباما الثانية» سورية الأصل.
ومن المثير فى حياة هذه الملكة قصة زواجها الأول قبل بطليموس الثالث. فبعد وفاة والدها مباشرة تزوجت من الأمير المقدونى المعروف باسم «ديمتريوس الجميل».
لكن بعد أن جاءت إلى قورينى وقعت أمها «آباما الثانية» فى غرام زوجها ديمتريوس الجميل، ونشأت بينهما علاقة آثمة، فما كان من بِرينيكى إلا أن قتلت ديمتريوس الجميل فى فراش أمها التى عاشت بعد ذلك.
ولم تنجب بِرينيكى من ديمتريوس الجميل. غير أنها كُوفئت بزواجها من بطليموس الثالث الذى أنجبت منه حوالى أربعة أبناء وبنتين، كان أهمهم ولى عهده وخليفته الملك بطليموس الرابع فيلوباتور (221-205 ق.م).
وحملت الألقاب التالية «أم الملك» و«أخت- زوجة ابن رع»، ويظهر هذا تأثرهما بالديانة المصرية القديمة.
وتم تصويرها فى فن الموازييك السكندرى كممثلة لمدينة الإسكندرية الخالدة. وربما حكمت مصر نيابة عن زوجها بطليموس الثالث حوالى خمس سنوات أثناء غيابه فى حربه السورية.
وكانت لها أرضها الخاصة وخيولها المشاركة فى سباقات الخيل، وكانت فارسة، ويقال إنها كانت تعتلى ظهر الخيل وتشارك فى أرض المعارك إلى جوار زوجها بطليموس الثالث الامر الذي دفعه لاطلاق اسمها على المنطقة.
وبعد وفاة زوجها بطليموس الثالث عام 221 قبل الميلاد تم قتلها أثناء الإعداد لتولى ابنها العرش، والذى ربما كانت شريكته فى الحكم.
وتم تأليه بِرينيكى الثانية وبطليموس الثالث أثناء حياتهما تحت لقب ملكى يمجد الملك والملكة، وهو «إيورجتيس» بمعنى «إلهان خيران» وتم الاعتناء بعبادة الملكة بعد وفاتها فى مدينة الإسكندرية.
وتشير الدراسات التاريخية إلى أن "برنيس" كانت ميناء رئيسى يقوم من خلاله الفراعنة بالتبادل التجارى مع بلاد بنط، حيث كانت تصدر من مصر الحبوب والجلود، وكانوا يستوردون من بلاد بنط الحيوانات التى تستخدم فى وسائل المواصلات، من حمير وأفيال وأبقار وجاموس، كانت المدينة مستقرا لتلك الحيوانات لاستخدامها فى الحرب