أحمد بهاء الدين يكتب: روح لا تقدر بثمن
فى يناير عام 1990 كتب الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين مقالا فى جريدة الأهرام من خلال يومياته التى كان يكتبها فيه يرثى فيه الأديب الصحفى إحسان عبد القدوس قال فيه: أيام لا تنسى، كان ذلك فى أوائل عام 1952، وكان كاتبنا إحسان عبد القدوس يقود من خلال مجلة روز اليوسف معركة جريئة وباسلة ضد فساد الإنجليز والقصر.. وكانت مجلة روز اليوسف أقوى منبر فى هذه المعركة.
كان طبيعيا أن يتجه الشباب إليها وأن تكون المجلة الأولى فى ذلك الوقت فى مصر بل وفى الشرق الأوسط كله، وذهبت ذات صباح إلى مبنى مجلة روز اليوسف القديم بشارع محمد سعيد المتفرع من شارع قصر العينى، وأعطيت بواب المجلة مقالا فى مظروف مغلق يحمل اسم احسان عبد القدوس الذى لم أكن أعرفه حتى ذلك الوقت أكثر من أنه رئيس تحرير المجلة، ولم يكن هو بالطبع يعرفنى. كان المقال الذى أرسلته ليس سهلا فيه تعليق عنيف على الميزانية الجديدة للدولة فى ذات الوقت وقراءة فى أرقامها التى كانت تستورد وقتها المجوهرات والفراء دون ذكر أى أداة إنتاجية واحدة، ولم يكن هذا القاموس واردًا فى تلك الأيام . وفى يوم الإثنين التالى مباشرة اكتشفت أن روز اليوسف قد صدرت وقد نشر فيها مقالى افتتاحية ملات الصفحة الأولى كلها بعناوين كبيرة، وفى آخرها توقيع شاب مجهول تماما هو أنا.. مجهول للقراء ومجهول لصاحب الجريدة ورئيس التحرير.
هذا التصرف غير المألوف عندنا الآن اختصر عشر سنوات على الأقل من كفاحى الصحفى لأشق طريقى فى مهنة الصحافة، ولو كانت هذه الروح عندنا فى شتى مجالات الحياة لاختصرت بلادنا كلها عشرات السنين فى طريق التقدم.
الذكرى الثلاثون لرحيل أديب الرومانسية "إحسان عبد القدوس”
هذه الروح لا تقدر بثمن، هى الجوهر الراقى فى تطور الأفراد والمجتمعات بعكس روح قتل المواهب التى تعطل الشعوب وتعطل حركة الحياة، إننى أروى هذه القصة دائما عن إحسان عبد القدوس فى حياته وفى مماته، وقد اتفقنا واختلفنا، ولكن هذه الواقعة تعلو على كل شيء، وتعطى هذا الجيل فكرة عن مرحلة من الحماس الوطنى والنقاء الوطنى وحب العمل، رحم الله تعالى إحسان عبد القدوس رحمة واسعة، بقدر ما أعطى للوطن، وللقراء، وما أخرج من أجيال على يديه.