منى محرز.. وحرق الكفاءات
خلا التشكيل الوزاري الأخير من اسم الدكتورة منى محرز نائب وزير الزراعة السابق دون مبرر منطقى، فالعامة لا يعرفون السبب وليس لدى الخاصة مسوغات واضحة للخلاص منها، وهى التي كان اسمها مرادفا لكل عمل حقيقي، جرت وقائعه على أرض وزارة الزراعة، كنت أتصور أنى وحدى المندهش لتغييبها دون مقدمات، وهي بطل كل الحكايات العظيمة في قطاع الثروة الحيوانية، وماهو أبعد منها خلال الفترة التي تولت فيها هذا المنصب..
غير أني لاحظت أن الاستغراب هو العنوان الأبرز لدى قطاعات كبيرة من المثقفين والإعلاميين والحزبيين.. كان البعض يتوقع أن تأتى وزيرة للزراعة بعد أدائها الناجح، خصوصا في ظل وجود وزير لم يقدم أو يؤخر خلال فترة وجوده سوى أنه كان رجلا مهذبا وأنيقا ويهوى الرحلات خارج الحدود ليس إلا.
مني محرز مثال صارخ لتنامى ظاهرة "حرق الكفاءات" منذ ثورة يناير وحتى تاريخه، استهلك صاحب القرار السياسي خلال تلك الفترة عددا مبالغا فيه من الشخصيات العلمية والسياسية والفكرية، بوضعها في ظروف غير ملائمة أو في مواقع غير مناسبة، أو استخدامها دون فهم قدراتها ثم التخلص منها وطردها خارج منظومة العمل القيادى دون مبرر.
اقرأ أيضا : البشير.. من القصر إلى الإصلاحية
ومنى محرز عالمة جليلة لها باع طويل في رحاب العلم والعلماء، وحصلت أبحاثها على جوائز عديدة ومثال يحتذى في الالتزام والأداء، وقد أدارت مؤسسات ومشروعات محلية ودولية، وقدمت نفسها للمجتمعين الدولى والمحلى، وهي شخصية معروفة لدى العديد من هذه المؤسسات، ولم يعرف عنها تراجع من أجل تحقيق مصلحة خاصة أو مهادنة، فيما تراه يصب في الصالح العام.
ومارست محرز العديد من الأدوار المهمة، وانسجمت حياتها العلمية مع الحياة العملية، فقدمت لمصر العديد من الأعمال الجليلة في مجال صحة الحيوان وحماية الثروة الحيوانية، وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية عام ٢٠٠٠م، كما حصلت أكثر من مرة على جائزة أحسن بحث في مجال العلوم الزراعية على مستوى مصر والعالم العربى.
اقرأ أيضا: السراج ليس خائنا أو عميلا
حياة منى محرز سلسلة من العمل المتواصل والنجاحات الكبرى وشخصيتها اتسمت بالحسم على مدار تاريخها العلمى والعملى، وكانت نموذجا مثاليا في أدائها منذ عام ٢٠١٧م وحتى خروجها من منصبها كنائب وحيد لوزير الزراعة. مراجعة السيرة الذاتية للدكتورة منى محرز ومتابعة مشوارها في الحياة يؤكد أن مصر ولادة، وأن معينها لا ينضب.. وأننا لانزال رغم كل الصعاب نمتلك من الكفاءات والقدرات ما يجعلنا أفضل بكثير.
المشكلة ليست في الخروج المفاجئ لمحرز أو غيرها إذ إن أمثال منى محرز من العلماء لا يقالون ولا تنتهى أدوارهم بقرار، فالمسيرة ممتدة خصوصا مع خبرات نادرة وقدرات عظيمة، وطاقات علمية تراكمت على مدار سنوات. المشكلة الأكبر أن خروج الشخصيات من مناصبها يعنى بالنسبة لكثيرين ممن يديرون الأمور حالة غضب، فترى الخارج من منصبه وكأنه مطارد، حتى لو كان عالما، أو خبيرا نادرا، أو شخصية قيادية أنفقنا عليها وعلمناها ودربناها وفجأة نتخلص منها وإلى الأبد !!
اقرأ ايضا: أمريكا- إيران.. والخطوط الحمراء
هذا الحرق غير المبرر دفع كثيرين إلى رفض العمل العام، ولدينا أمثلة كثيرة لاعتذار شخصيات وطنية كبيرة عن المشاركة في التشكيل الوزارى الأخير وقبل الأخير.
ظاهرة اعتذار الكفاءات لا تعنى هروبا من أدوار وطنية وإنما حفاظا على سيرة ذاتية يمكنها أن تمتد بعيدا عن العمل العام وانتهائها حتمى وبسرعة إذا ما شاركت فيه، ومن يراجع عدد الوزارات والشخصيات التى دفعت للعمل العام ثم التخلص منها خلال السنوات العشر الماضية يدرك خطورة ظاهرة حرق الكفاءات!!