رئيس التحرير
عصام كامل

ضحايا الحضانة


حين يتحول الطلاق لدى الزوجين إلى رغبة جامحة فى الانتقام من خلال استغلال أبنائهم واستمالتهم، هنا ماذا يقترف الآباء والأمهات؟ إنهم لا ينتقمون إلا من فلَذاتِ أكبادهم، ويسيئون لمستقبلهم ولذاكرتهم ولتاريخهم، فينطلقون فى حياتهم عابثين ساخِطين على أنفسهم وآبائهم، وقد خطفت منهم النَّوائبُ والخُطوب أفراحَهُم، يُنْتِجون للدنيا قصَّةً مكرَّرة، ومأساةً جديدة، وكأنهَّم يعلنون بصوتِ الطفل الصَّارخِ بداخلِهِم: إنَّنا نسخةٌ مكرَّرةٌ منكم أمِّى وأبى.


حفظنا عنكم دروسكم كما تلقَّيناها عنكم، وعن أياَّمكم التعَّيسة المشحونة بالغضب، واليوم نصفِّقُ لكم ونعترف أمامكم بأنكم قد جعلتُمونا ضحايا ومسخاً إنسانيًّا، حين طمَسْتُم معالمَ شخصيَّتِنا صِغاراً، وحَرَمْتُمونا من براءة الأطفال، وسرقتم منَّا فَرْحَتَنا بطفولَتِنا، واغْتَصَبْتُم منَّا حقَّنا فى العيش بسلام، وقذَفْتُمونا إلى المجتمع بلا قِيَم ولا أحكامَ توجِّهُنا، وسخَطْتُم على أنفسكم فينا أشدَّ السُّخط، فأصبح من أعْسَرِ العُسْرِ علينا أن نثق بأنفسنا أو نأمن على مستقبلنا معكم، لما قدَّمْتُموه لنا من دروس خالية من كل معنًى إنسانى رحيم، ولاسْتِغْلالكِمُ لحُبِّنا، وانْتِهاكِكُم لحُرْمَةِ الحضانة ففصَلْتُم دماءَنا عن دمائِكُم، وقطَعْتُم صِلَة الرَّحِم التى تصِلُنا، وصارت أهواؤُكُم تقودُنا حيث شاءت، وعواطفُنا وقلوبُنا تحترق بين السِّندان والمطرقة، وبين حقدِ الرَّجل وانتقامِ المرأة، وبين سُلطَتِكُم وسلطةِ القانون، وبين اختيارين أشْبَه بالاختيار بين الحياة والموت.

فلكم منَّا أيُّها الآباء والأمهات كل التقدير والاحترام حيث سمحتم لنا أن نقف جميعا أمام محكمة الأسرة لا محكمة الضمير الإنساني، وأضْعَفْتُم هيبة القانون وحَوَّلْتُمُوه عن أهدافِه النَّبيلة فى تحقيق العدالة وحماية الحقوق، لإلزام الأطفال بقيد الزمان والمكان لمقابلة آبائهم أو أمهاتهم، فمزَّقْتُم بهذا العلاقة الأسرية، ونسيتم تطبيق قوله تعالى: ﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾، وقوله تعالى: ﴿وادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم﴾، وغَفَلْتُم عن حقِّتا الإنسانى الطبيعى والفطرى فى تلبية احتياجاتنا النفسية والعاطفية للأبوة والأمومة معا، ولرعاية الآباء والأمهات لأبنائهم وتنظيمِ علاقتهم الإنسانية على وجهٍ يحافظ على مصالحهم واحتياجاتهم الطبيعية والفطرية، باعتبارهم تكويناً إنسانياًّ مشتركاً بين جيناتهم.

والكلمة الختامية نتركها لكم أيها الآباء الأعزاء والأمهات الفاضلات:....

dr.safiaa@hotmail.fr

الجريدة الرسمية