أسرار حرب الغاز في البحر المتوسط.. تركيا الخاسر الوحيد.. القاهرة استبقت ما جرى وحافظت على مصالحها.. وأنقرة ترد باتفاق السراج
ترددت في الساعات الأخيرة معلومات حول استبعاد مصر من المركز الإقليمي لغاز المتوسط، وهو الأمر الذي أثار قلقا كبيرا، خاصة بعد أن تلقف البعض منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص يدعى محمود وهبة أكد فيه أن "أمريكا أنهت الوجود المصري في غاز المتوسط".
ويأتى هذا الأمر في وقت تجابه فيه مصر العديد من التحديات، خاصة أطماع تركيا في ليبيا وفي غاز البحر المتوسط وتهديدها لحقوق اليونان وقبرص – اللتين تشكلان تحالفا مع مصر - في التنقيب عن الغاز في مياههما الإقليمية .
وردا على هذه المعلومات، فقد أكدت مجموعة البحوث والدراسات في تقرير لها حول "مشروعات الغاز في شرق المتوسط" أن مروج هذه المعلومات المغلوطة – محمود وهبة – هو أستاذ اقتصاد تحول إلى رجل أعمال ويعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأنه معارض للدولة المصرية، وسبق له الظهور على قناة الجزيرة القطرية المعادية لمصر.
وأكدت أن مشروع القانون الأمريكي هو منافس يمكن أن يتكامل مع منتدى غاز المتوسط، موضحة أن هذا المشروع حول شراكة الأمن والطاقة لشرق المتوسط جاء برعاية الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي، وينص على إنشاء مركز للطاقة لشئون شرق البحر الأبيض المتوسط ، ويلزم القانون وزير الخارجية بتقديم تقرير للكونجرس حول "خطة للعمل مع الشركات الأمريكية التي تسعى إلى الاستثمار في استكشاف الطاقة في شرق البحر المتوسط وتطويرها والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الأمريكية لها وتعاون الخارجية معها".
وشددت مجموعة الأبحاث على أن المركز الذي تريده الولايات المتحدة هو منافس صغير لفكرة منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، والتي أزيح عنها الستار في يناير 2018 في القاهرة بين الأطراف الثلاثية القبرصية اليونانية الإسرائيلية مع مصر وإيطاليا والأردن وفلسطين على مستوى وزراء الطاقة ، وعلى الأرجح سيكون مركزا للتنسيق وتبادل المعلومات ومظلة لجميع الأطراف المعنية بغاز المتوسط.
ولفتت إلى أنه من الممكن أن يكون مركز الطاقة الأمريكي مكملا مفيدا للمنتدى كما أن كل الأطراف يمكنها عمل مشروعات وهذا ليس بضرر ولا يتم بمنأى عن مصر، مشيرة إلى أنه عندما زار الرئيس عبدالفتاح السيسي واشنطن في أبريل 2019 أعربت الولايات المتحدة عن اهتمامها بحضور الاجتماع المقبل للمنتدى بصفة مراقب.
وأكدت وحدة الأبحاث أن مشروع القانون الأمريكي ومنتدى غاز المتوسط لا يستبعدان عقد الاجتماعات الثلاثية بما في ذلك (قبرص واليونان وإسرائيل) أو الرباعية أو أى تشكيلات أخرى ومن جهتهم أبدى الأوروبيون اهتمامهم بالمنتدى لأن المشروعات القابلة للتطبيق اقتصاديا لتطوير الغاز الطبيعي في الخارج في الوقت الحالي تتضمن نقل الغاز لمصر وإسالته قبل إعادة تصديره إلى أوروبا والعالم.
وردا على ما تردد عن أن اتفاقيات الغاز بين أوروبا وإسرائيل تلغى دور مصر ، أكدت وحدة الأبحاث أن الاتحاد الأوروبي يشجع تطوير منتدى شرق البحر المتوسط للغاز كمنصة للحوار متعدد الأطراف حول تعظيم استخدام الغاز.
وأوضحت أن أوروبا معنية بمشروع آخر للغاز مع عدد من الأطراف وهو مشروع "غاز ايست ميد" والذى يعتبر أحد المشارع التي ستغير خريطة الطاقة في أوروبا حيث من المتوقع أن يكون هذا المشروع بطول 1900 كيلو متر بالإضافة إلى قدرته على نقل 11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من احتياطات حوض شرق المتوسط البحرية قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وإيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا عبر خطوط أنابيب الغاز اليونانية "بوزيدون" و"أي جي بي".
المثير – وفقا للمعلومات التي نشرتها وحدة الأبحاث – أن المشروع يقلل استيراد أوروبا للغاز من روسيا وهو الأمر الذى ترفضه تركيا لأنها شريك لروسيا في مشروعات مد الغاز لأوروبا وستخسر بهذا المشروع بسبب تأثيره على خط غاز "ترك ستريم" ، وفي محاولة من تركيا لتفادي الآثار المتوقعة لهذا المشروع ، وقعت اتفاقية مع حكومة السراج لترسيم الحدود البحرية ، ومن هنا يمكن القول إن الغاز هو المحرك الأساسي خلف التحرك التركي في ليبيا بما يتيح لأنقرة توسيع حدودها البحرية في منطقة شرق المتوسط التى تختزن كميات كبيرة من البترول والغاز تم اكتشافها في السنوات الأخيرة ، وهذا ما يفسر حرب الشائعات ضد مصر في هذا الصدد.
ونوهت بأن مصر لم يتم استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط ، كما أن الاتفاق بين قبرص واليونان وإسرائيل بشأن خط "إيست ميد" لتصدير الغاز إلى أوروبا لا يضر القاهرة لكن أنقرة هي الخاسرة منه ، بل إنه فرصة تجارية جيدة بالنسبة لمصر لأنها ستكون مركزا لإسالة هذا الغاز. وأكدت وحدة الأبحاث أن الدولة المصرية استبقت الصراع الحالي بعدة خطوات عندما أسست منتدى غاز المتوسط ، وهذا يعكس إدراك القيادة السياسية للتحديات وخطورة الوضع في منطقة غاز المتوسط، منوهة إلى أن التعاون مع إسرائيل طبيعي لأنها جزء من سوق الغاز أما الخاسر الوحيد فهو تركيا ولهذا لجأت إلى ترويج معلومات مغلوطة بالتزامن مع تصريحات المبعوث التركي إلى ليبيا بأن بلاده سترد على من سيواجهها في ليبيا ، وهذا التزامن ليس محض صدفة بل جزء من تحرك ممنهج.
نقلا عن العدد الورقي