رئيس التحرير
عصام كامل

أيام الدم والحسم والدبلوماسية.. أزمات سياسية وأجندات خارجية وإقليم مضطرب.. والقاهرة تتحرك بوعي على جميع الجبهات

الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي.. صورة أرشيفية

"إقليم مشتعل بالأزمات وعواصم تواجه كثيرا من المؤامرات، ومنطقة أصبحت لا تعرف للهدوء طعمًا".. تحديات كبيرة تواجهها السياسة الخارجية المصرية مع بدء العام الجديد، فالأزمات لم تتوقف عند حد ما هو سياسي، لكنها امتدت إلى أزمات اقتصادية طاحنة، وأجندات خارجية تسعى أطراف بعينها لتنفيذها، ووسط هذا كله تطل قضايا دولية متشابكة غير واضحة المعالم وتحالفات هشة تتبدل بين ليلة وضحاها بالمخالفة للعقيدة الدبلوماسية الراسخة.

القادم المجهول النظر إلى الإقليم المضطرب يثير الخوف من القادم المجهول، اليمن مفكك، والسودان يحاول الخروج من الأزمة القاتمة، وسوريا تعانى ويلات حرب بالوكالة على جميع الجبهات فالغرباء بها أكثر من أهلها، لبنان هو الآخر يبحث عن رئيس وزراء، والعراق حائر بين رغبات الإدارة الأمريكية ورجلها الأول دونالد ترامب وتعليمات ملالى إيران وآيات الله في طهران، ما أفقده البوصلة، وأصبحت شوارع وميادين «بغداد» مشتعلة بالمظاهرات الشعبية تنتظر مخلصًا ينجح في تشكيل لوبى عربى يقود الإقليم أمام مشروعات مختلفة تسعى لاختطافه من مشرقه إلى مغربه.

الدور المصري

هذه الإشكاليات مجتمعة تضع أمام الأجهزة والمؤسسات المسئولة عن الملفات الخارجية مسئولية كبرى، من أجل الحفاظ على الدور الريادي لمصر بالمنطقة وتعظيم التواجد الإقليمي والدولي، والتعامل بدقة مع المسائل الخارجية الحساسة، لمواكبة ما تم تحقيقه من إنجازات في ذات الشأن على مدار السنوات القليلة الماضية.

الحفاظ على المصالح المصرية في المرحلة المقبلة يعد أهم الأولويات التي تنتظر البلاد في 2020، حسبما يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وسترتكز على تنفيذ سياسات تعود على أمنها القومي بصورة كبيرة.

وتتحرك السياسة الخارجية المصرية خلال العام الجديد في دائرتين هما الأهم خلال الفترة المقبلة والأكثر تطلبًا لخطوات حقيقية وفعالة، الأولى تتمثل في الحفاظ على الأمن القومي لمصر ومواجهة التحديات والأخطار المحيطة، والثاني يتمثل في الحفاظ على مصالح الدولة المصرية في مناطق نفوذها وحمايتها من التهديدات المتواصلة فيها.

ويوضح «فهمي» أن عام 2020 سيشهد بطبيعة الحال استكمال ما تم من إنجازات في 2019 على صعيد السياسات الخارجية في جميع الملفات والقضايا التي واجهت مصر، سواء كان من خلال الدبلوماسية الرئاسية عن طريق الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة، أو من خلال الجهد الكبير الذي تبذله مؤسسات وقطاعات الدولة، ليس فقط في الملف الأفريقي ولكن في الملف الآسيوي والأمريكي والروسي، والعديد من الملفات الأخرى، بما في ذلك الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الرئاسية بالأخص في تلك الملفات بشكل كبير على مدار السنوات القليلة الماضية، ونجح الرئيس في إعادة تقديم مصر بشكل قوي في الخريطة الدولية.

تعزيز العلاقات الدولية

وتجلى دور الدبلوماسية الرئاسية، من خلال الجهود التراكمية التي بذلها الرئيس عبد الفتاح السيسي على مدار سنوات، في مواجهة الإشكاليات والتحديات التي تواجه مصر، ونجح في التعامل مع القضايا الشائكة من خلال تعزيز العلاقات الدولية مع الحلفاء، وعقد لقاءات واجتماعات لم تتوقف مع الدول الفاعلة في المنطقة، بما ساهم ومهد بصورة أو بأخرى للمؤسسات الدبلوماسية الآخرى، حتى تقوم بدورها بالشكل الأمثل بما عمل على خلق روح من العمل الجماعي بين كل المؤسسات المسئولة عن صناعة السياسات الخارجية حتى تحقق أهداف الحفاظ على الأمن القومي وتحمي المصالح المصرية.

وتستكمل السياسة الخارجية لمصر أيضًا في 2020، خطواتها وتحركاتها القائمة على فكرة تنويع التحالفات والعلاقات في الإقليم، وتحقيق التوازن الهادئ في العلاقات مع أمريكا وروسيا، من خلال مؤسسات صنع القرار في السياسة الخارجية مثل وزارة الخارجية وأجهزة المعلومات (المخابرات والأجهزة السيادية) التي تؤدي دورا مهما، وربما يكون غير معلن، لكنه دور قوي ويعمل بشكل فعال في دعم دور الخارجية المصرية والتمهيد، لمواقف رسمية قوية، بالإضافة إلى دور الدبلوماسية الرئاسية، وتتضافر جهود كل جهة من تلك الجهات في سبيل تعزيز الدور المصري في معالجة وتناول القضايا الخارجية، بحسب أستاذ العلوم السياسية.

التحديات

كما تواجه السياسة الخارجية أيضًا العديد من التحديات الجديدة التي تتعلق بمشكلة الأمن المائي والأمر هنا لا يقتصر على سد النهضة أو إثيوبيا فقط، رغم بذل جهود قوية في ذلك الملف على مدار الأشهر الماضية بالتحديد، وإدخال الوساطة الأمريكية للمفاوضات، ولكن الأمن المائي الذي يشمل مصر ودولا أخرى إقليمية تواجه تهديدات مستمرة.

وكذلك تحديات الحفاظ على ثرواتها المائية في البحر المتوسط وحمايتها من الأدوار التركية المشبوهة التي يمارسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل استغلال ثروات البحر المتوسط في تحقيق الأطماع التركية، لذلك يمكن القول بحسب «فهمي»، بأن السياسة الخارجية لمصر في 2020 ستبني على ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية في القضايا كافة، حتى تتمكن البلاد من مواجهة الأخطار والتحديات الإقليمية والدولية بالشكل اللائق والمناسب لوضع مصر في إطار محيطها العربي والإقليمي والدولي.

احتلال تركيا عسكريًا

تزامنًا مع ذلك.. الأسبوع الماضى كانت المنطقة على موعد مع انفجار لغمين في حقل الألفية الجديد، الخميس صدق البرلمان التركى على احتلال ليبيا عسكريا، بعدما اختمرت المؤامرة وأصبحت مجرد أرض بلا دولة، والجمعة اغتالت أمريكا في عملية مدبرة بعناية قائد فيلق القدس الإيرانى الجنرال قاسم سليمانى في قلب العاصمة العراقية بغداد، بعدما ظل خلال السنوات الماضية حليفًا سريًا للولايات المتحدة استخدمته في تأجيج الصراع بين السنة والشيعة في نهايات الألفية الثانية كبذرة لما شهدناه في بداية الألفية الثالثة السالف الذكر عن عقدها الأول.

ما حدث في الأسبوع الأول من العام الجديد، يؤشر على دخول المنطقة إلى "عقد الدم".. فما يحدث في ليبيا وتداعياته واحتمالية المواجهة الحتمية على حدود مصر الغربية بعد دخول الأتراك أرض عمر المختار لاستعادة مستعمرات الخلافة العثمانية القديمة، وأطماعها في المتوسط أمر يطول شرحها تفرد له "فيتو" تقريرا خاصا على صفحات عددها السنوى.

لتبقى الضفة الأخرى من الأزمة المتعلقة باغتيال قاسم سليمانى وما تحمله على باقى دولنا العربية خلال هذه الأيام والشهور والسنوات المقبلة.

ترامب

فوز ترامب بولاية جديدة إلى حد كبير ربما يكون بات واقعا بالرغم من ملاحقاته في الكونجرس وتمنى بعض دوائر العرب عزله، فهو –أي ترامب- ضمن البقاء لعوامل كثيرة متعلقة بالترضيات التي قدمها لشعبه وحلب أموال العرب لصالح خزائن بلاده.. لكنه ترك للمنطقة جريمة تدفع ثمنها لسنوات مقبلة وربما تقودها إلى حرب تطال دول الخليج العربى لهدم ما تبقى من كيانات مستقرة فشلت الثورات الملونة في اختراقها.

الدولة الإيرانية باتت تشعر بتعرضها لتنكيل وقمع دولى من جانب الولايات المتحدة، بهدف استبدال العداء مع الاحتلال الإسرائيلى من تل أبيب ونقل قلوب العرب الكارهة إلى طهران، لإفساح المجال أمام مشروع إسرائيلى يتمدد خلف ستار التطبيع والسلام المزعوم، والأسبوع الماضى بلغت الإهانة ذروتها في تصفية ذراعها الطولى في الإقليم.

البيانات المتتالية الصادرة عن وزارات الخارجية العربية والغربية البعيدة عن الأزمة حتى الآن، طالبت بالتهدئة وعدم المزيد من التصعيد لقناعة أجهزته بسوء القادم في ظل ما تملكه إيران من مخالب منتشرة في دول غرب وشرق آسيا وحتى في العمق الأفريقى، وفى ظل وجود ما يقارب 250 ألف مقاتل هو قوام "فيلق القدس" بحسب تقديرات أجهزة الاستخبارات الدولية، تبرز المخاوف بقوة من عمليات ثأر انتقامية تشرع فيها الجمهورية الإسلامية.

عمليا لن تخوض إيران حربا مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ولن يرسل "البنتاجون" قواته لاحتلال إيران، لكن ذلك لا يمنع من سيناريوهات دموية قاتمة تتطال عواصم عربية ترتبط بمصالح مع واشنطن وتدعم وجهة نظرها تجاه إيران ولواشنطن أيضا مصالح فوق أراضيها سواء استثمارت أو تواجد لقوات.

العراق

يأتى على رأس قائمة الدول المتوقع سدادها فاتورة دم سليمانى، فلن تهنئ أرض الرافدين بعملية سياسية واضحة، ومن المؤكد أن تنتظر أعواما تصنف كدولة بلا رأس يحكمها قانون الغاب تغب عنها المؤسسات ويتحكم في مصير شعبها سلاح الميليشيات كل حسب الولاء والمذهب وطبيعة الانتماء، لتتحول بلاد الرافدين مع الوقت إلى أرض تستضيف حربا بالوكالة مع أمريكا.

بعيدا عن بغداد المعتادة إلى حد كبير على سنوات العجاف السياسي والاقتتال المذهبى، بات الخوف الأكبر الآن على جر المملكة العربية السعودية إلى هذه المعركة المعلومة الأطراف ومجهولة جهات التنفيذ، وبلورة الصراع بينهما ليس بعيدا عن التوقعات في ظل سياسية ترامب الهادفة إلى جلب المال الخليجى وترويط عواصمه في حروب مفتوحة مقابل التزويد بالسلاح لضمان تشغيل شركة "لوكيهد مارتن" لعقود مقبلة حتى نفاد عصر النفط.

ولا ينكر متابع أن المنطقة الشرقية بالمملكة تعد شوكة في ظهر استقرار المملكة لما تملكه طهران من عملاء بها يثيرون الفتن المذهبية بين الفينة والأخرى، لإشعار قصر اليمامة الحاكم في الرياض بالصداع السياسي.

تواجد القوات الأمريكية أرضا في قاعدة الأمير سلطان الجوية، من المرجح أن يجعلها هدفا مشروعا من وجهة نظر الإيرانيين، وهو أمر من شأن حدوثه أن يجعل لطهران شيئًا من الفخر أمام مواطنيه، فمن جهة يثبت القدرة على استهداف السعودية ممثلة العالم السنى، ومن الجهة الأخرى كسر هيبة ترامب أمام شعبه باستهداف جنوده، وبعيدا عن المنطقة الشرقية يظل الخوف من ميليشيات الحوثى الانقلابية جنوب البلاد وتحويلها مستقبلا إلى ذراع طولى لاستهداف بلاد الحرمين وإفشال أي فرصة لإنهاء الحرب الدائرة منذ أعوام بينها – ميليشيا الحوثى- والتحالف العربى.

باب المندب

اليمن أيضا تحمل وجه آخر للأزمة يتجسد في تهديد مضيق باب المندب والتأثير على حركة مرور التجارة في مجرى البحر الأحمر وهو أمر من شانه أن يزيد العبء على مصر التي جلبت لها العقد الثانى ملفات خارجية ملتهبة حول حدودها.

الملف السوري

الملف السوري الذي شهد شبه انفراجة نهاية العام الماضى، ربما يعيد السير طواعية في حقل الألغام الذي قدّر للأمة العربية ولوجوه بطريقة إجبارية، فسليمانى ورجاله من فيلق القدس يملكون غلبة الفعل في الأزمة هناك، وجنرال فيلق القدس الراحل يعد مهندس الاتفاقات والتفاهمات التي تمت في الشمال السوري مع الترك والروس والأكراد.

بالتبعية لبنان ليست بعيدة عن الصراع فهى - بيروت - لصيقة سوريا في الحرب والسلام، وسيطرة حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله، أمر من شانه إشعال سماء بلاد الشام بالصورايخ المتبادلة مع الاحتلال الإسرائيلى الموضوع في عين الاتهام باغيتال الجنرال مع الجانب الأمريكى.

حتى البحرين المملكة الهادئة ليست بعيدة عن العمليات الانتقامية المتوقعة، وتملك إيران دفة تأليب الشعية على نظام الحكم السنى وتنظر لها نظرة استعلاء لدرجة وصفها بالمحافظة الـ 14 للجمهورية الإسلامية.

القادم بشكل عام يثير المخاوف على دول مجلس التعاون مجتمعة لما يربطها بمصالح مع الولايات المتحدة وتواجد واشنطن على أراضيها، ما يمهد لإشعال سماء المنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة حتى توريطها في نهاية المطاف بدخول مواجهة حربية مباشرة تأكل الأخضر واليابس.

أطماع إيرانية - تركية

إلى ذلك.. يعلق الدكتور محمد الزبيدي المحلل السياسي الليبي، أستاذ القانون الدولى في جامعة طرابلس، على هذه الأوضاع المتسارعة والمتلاحقة قائلًا: «بحكم الجوار بين ليبيا ومصر، فإن أنقرة ترغب من خلال انخراطها سياسيا وعسكريا في ليبيا في الاستيلاء على ممتلكاتها الاقتصادية لتحويلها إلى "بيت مال" لتركيا، فضلًا عن استخدامها كقاعدة لنشر الإسلام السياسي والإرهاب في القارة الأفريقية؛ من أجل استهداف مصر على وجه التحديد عبر حدودها الغربية، لمحاولة إحياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع لأبناء أتاتورك على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأخذ بثأرها من مصر».

موضحًا أن «الأطماع التركية حاضرة منذ سنوات، فقد عملت تركيا على توقيع اتفاق في 2012 يضمن لها إقامة قاعدتين عسكريتين بالقرب من الحدود الشرقية لمصر، من أجل محاصرة مصر بالدرجة الأولى، استكمالًا لمساعي أنقرة من أجل الاستيلاء على شمال أفريقيا من خلال جماعة الإخوان الإرهابية التي تسيطر عمليًا على تونس والمغرب وليبيا».

وشدد «د.الزبيدي» في تصريحات لـ "فيتو" على أن «هناك نوعًا من التقاسم والنفوذ بين الأتراك والإيرانيين، فتركيا تستهدف المغرب العربي، وإيران تستهدف المشرق، وقد نجحت الأخيرة في بسط سيطرتها على عواصم ثلاث وتطويق منطقة الخليج، فيما تسعى الأولى لمد نفوذها في شمال أفريقيا وليبيا لمحاصرة مصر، في مؤامرة المقصود بها الوطن العربي والركائز الأساسية في النظام الإقليمي العربي».

وتابع: آثار ودلائل التدخلات التركية في دعم الميليشيات الإرهابية بالمال والسلاح والعتاد واضحة وضوح الشمس، فما هو إلا استكمال لتدخلات تركية متصلة في الشأن الليبي، لكن الأمر لا يقتصر عند حدود الطائرات والأسلحة والعربات المصفحة بصناعة تركيا والدعم المادي فقط، فهناك أيضًا ما يعرف بـ«سفن الموت» وهي سفن تركية في ليبيا أيضًا تم رصدها وحجز جزء منها في اليونان، كل ذلك إلى جانب مقاتلين يتم جلبهم من عفرين وادلب السورية وسط رحلات مستمرة من الدواعش والشيشان والنصرة والإيجور والمرتزقة ونقلهم من الحدود السورية برواتب مغرية بالإضافة إلى منح الجنسية وتعويضات عند الموت.

وهناك مقاطع صوت وصورة توضح نشاطهم مؤخرًا في ليبيا، وأماكن تواجدهم فهم ليسوا ملثمين أو يخفون هوياتهم، الفيديوهات تفضحهم وتؤكد مشاركتهم على عكس النفي الذي تتداوله تلك الفصائل.

نقلًا عن العدد الورقي..

الجريدة الرسمية