الحرب الباردة تتحول لنيران ستحرق العالم!
حين بدأت موجة الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تغرد منفردة على الساحة الدولية لما يقرب من عقدين من الزمان كاملين، فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين تشكلت منظومة عالمية جديدة..
فدول الحلفاء الذين خاضوا الحرب سويا في مواجهة دول المحور وخرجوا منتصرين، قرروا أن يتنافسوا فيما بينهم على زعامة العالم، وبينما كانت إنجلترا وفرنسا قبل بدء الحرب هما اللذان يتزعمان العالم فقد تراجعت أسهمهما كثيرا بعد الحرب، وبدأ دور الحليفين الآخرين في البزوغ، فوجدنا صعودا سريعا للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وسعى كل منهما إلى فرض سيطرته وهيمنته على الساحة الدولية.
وخلال هذه المحاولة تحولت المنافسة إلى صراع سرعان ما انتقل إلى حرب باردة بين القوتين الكبيرتين على الساحة الدولية، وظلت الحرب الباردة لما يقرب من أربعة عقود كاملة لم تحسم إلا مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين، حين حدث الانهيار والتفكك للاتحاد السوفيتي، وبذلك نصبت الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة منفردة للعالم، وأصبح العالم ذو القطبين عالم ذو قطب واحد، يسير منفردا على الساحة الدولية، ويقوم بفرض سيطرته وهيمنته على عباد الله.. دون حسيب أو رقيب.
اقرأ ايضا: ماذا يحدث فى ليبيا ؟!
ومع دخولنا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين قررت الولايات المتحدة الأمريكية تطوير مشروعها الإمبريالي الجديد من أجل مزيد من السيطرة والهيمنة على الساحة الدولية، وإذا كانت الساحة العربية وما حولها هى إحدى ساحات الصراع من أجل الحصول على ثرواتها، خاصة مصادر الطاقة، فقد قررت الولايات المتحدة إعادة ترسيم حدود هذه المنطقة، عبر عملية تقسيم وتفتيت جديدة لهذه المنطقة الهامة من العالم على أن يكون التقسيم الجديد لصالحها.
وبالفعل بدأت موجة الربيع العربي المزعوم بهدف تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وكانت الاستراتيجية التى اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية عبر مفكريها الاستراتيجيين تقول إن عملية التقسيم والتفتيت الجديدة ستعتمد بشكل أساسي على الجيل الرابع للحروب، عن طريق تزكية الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية لكى تنشأ حروب أهلية داخل دول المنطقة تنتهى بعمليات انفصالية تقود للتقسيم والتفتيت المستهدف، وبذلك تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من فرض مزيد من السيطرة والهيمنة على ثروات المنطقة، وتتمكن من تشديد قبضتها المنفردة على زعامة العالم.
اقرأ أيضا: أمريكا تستهدف أحرار العالم !
لكن دائما ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالربيع المزعوم المخطط له أمريكيا بدقة خرج عن المسار المرسوم، ووجدت مقاومة كبيرة من الجيش المصري الذى أفسد المشروع على المستوى المصري، حيث تم الإطاحة بالجماعة الإرهابية بعد عام واحد فقط، وصعد لسدة الحكم الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي بدأ يفكر في إطفاء النيران المشتعلة على حدوده خاصة في ليبيا والسودان.
وعلى الجانب الآخر كانت المقاومة الكبيرة للجيش العربي السوري الذي لم يسمح بالمساس من الأصل بالرئيس بشار الأسد، ووقفت سورية حجرة عثرة أمام تحقيق أحلام الولايات المتحدة، وتمكنت عبر تسع سنوات من الصمود الأسطوري من إفشال المشروع على الأرض العربية السورية، وعبر هذه المعركة الطويلة تغيرت أشياء كثيرة حول العالم، حيث تراجع ووهن دور الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي اشتد عود روسيا وعادت من جديد قطبا آخر في مواجهة البلطجة الأمريكية..
وفي نفس الوقت برز دور الصين كمنافس اقتصادي رهيب للولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تحول العالم خلال عقد واحد فقط من عالم ذو قطب أوحد الى عالم متعدد الأقطاب.
واقرأ أيضا: إعادة تدوير النفايات في العالم العربي!!
ومع شعور الولايات المتحدة الأمريكية بهزيمة مشروعها في منطقتنا وما حولها والعالم، قررت أن تحول الحرب الباردة الى حرب ساخنة على عدة جبهات جديدة، حيث قامت خلال الأيام القليلة الماضية ومع دخول الجيش العربي السوري معركة تحرير إدلب آخر معاقل الإرهاب الأمريكي على الأرض العربية السورية، بإعطاء إشارة البدء للإخواني الإرهابي أردوغان بدخول ليبيا، بعد أن كانت قد أعطته الأمر باجتياح الشمال الشرقي السوري، ومع فشل المشروع في سورية تحاول اشعال النيران في محيط مصر بنقل الإرهابيين من إدلب الى طرابلس، ودخول قوات عسكرية تركية لمساندة الجماعات الإرهابية التى يقودها السراج لمنع تقدم الجيش الوطني الليبي من حسم المعركة لصالحه، وبذلك تشتعل النيران مجددا في محيط مصر.
وفي ذات الوقت تقوم بسكب مزيد من الزيت فوق النيران المشتعلة في محيط سورية في لبنان والعراق، ومحاولة جر إيران أحد أهم القوى الداعمة لسورية إلى حرب مباشرة عبر تهديدات مستمرة يستقبلها صانع السجاد الإيراني بصبر شديد وحنكة سياسية تفسد للأمريكي مخططاته، وتكيل له الضربات الموجعة دون أن تتطور المسألة لحرب مباشرة وشاملة، ولعل من الضربات الإرهابية الموجعة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية هى اغتيال الجنرال قاسم سليماني والتي استقبلتها إيران مع وعد بالرد دون الدخول في مواجهة مباشرة.
وأثناء محاولة الولايات المتحدة من تحويل الحرب الباردة إلى حرب ساخنة لم تنسي الصين المارد الاقتصادي الذي يهدد عرشها حيث حاولت إشعال نيران الفتنة عبر ورقة الإيغور، الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل الحكومة الصينية، وتدعو المسلمين للتوجه إلى هناك لمناصرة إخوانهم، وهو ما يذكرنا بما حدث في أفغانستان في السبعينيات من القرن العشرين، حين تم تجييش المسلمين ضد الاتحاد السوفيتي الملحد، نفس الورقة القديمة يتم تجديدها وللأسف هناك من يبتلع الطعم داخل مجتمعاتنا، لكن على الأمريكي أن يعي أن إشعال النيران سيحرق العالم برمته، اللهم بلغت اللهم فاشهد.