«إنه الاقتصاد يا مغفل»
فاز بيل كلينتون بالرئاسة الأمريكية سنة 1992 تحت شعار «إنه الاقتصاد يا مغفل»، فقد أقنع غالبية الأمريكيين بأن الاقتصاد الأمريكى الذى ورثه جورج بوش الأب عن رونالد ريجان (كما ورثه باراك أوباما عن جورج بوش الابن) يواجه أزمة كبيرة هو وحده قادر على حلها.
أجد أن هذا الشعار الأمريكى أكثر صدقاً فى وصف الحالة المصرية منه فى وصف الحالة الأمريكية، فقد كانت سنة 2012 صعبة اقتصادياً على مصر وستكون السنة هذه أسوأ لأن النظام الجديد لا يملك حلولاً تُقيل الاقتصاد من عثاره، وتغيير الوزراء ليس حلاً خصوصاً أن عدد أعضاء الحكومة من الإخوان المسلمين زاد وليست لهم خبرة اقتصادية. الحل تغيير السياسة الاقتصادية.
الأرقام التى لا تكذب تقول إن 40 فى المئة من المصريين تحت خط الفقر، أى أن دخل الواحد منهم دون دولارين فى اليوم، وعجز الموازنة بلغ 21.6 بليون دولار. وكان الإخوان المسلمون قد عارضوا قرضاً من صندوق النقد الدولى أيام حكومة كمال الجنزورى، ثم سعوا إليه عندما وصلوا إلى الحكم، والمفاوضات متعثرة ومتوقفة، والقرض يعنى إجراءات تقشفية إضافية فى بلد متقشف جداً.
هناك نقص فى إمدادات الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، مما يعنى عتمة هذا الشتاء وصيفاً أسوأ، وشركات الأسمنت هددت الحكومة بعد رفع سعر المازوت. وهناك تراجع قياسى للجنيه مقابل الدولار، وزيادة فى جرائم القتل والاغتصاب والسرقة، غير أن الرئيس محمد مرسى تجاوز ما سبق، ووعد فى خطاب له فى 26 من الشهر الماضى بأن الأيام المقبلة ستشهد إطلاق مشاريع جديدة.
ما هى هذه المشاريع؟ أين ستنفذ؟ من أين التمويل؟ صندوق التمويل العقارى تحدث عن خمسة آلاف شقة فى 12 مدينة جديدة لمحدودى الدخل. وأقول إن حاجة محدودى الدخل تتجاوز 500 ألف شقة، أو مليون شقة. وهذا مطلوب قبل خفض التصنيف الائتمانى لمصر وبعده.
الرئيس مرسى فى خطاب آخر له فى 29 من الشهر الماضى قال: ندعم الإعلام الحر بعيداً عن سطوة السلطة وجماعات المصالح والتمويل الفاسد. ولم يمضِ يومان على الخطاب حتى كان مكتب الرئيس يلاحق حسين يوسف وبرنامجه التلفزيونى الساخر «البرنامج» بتهمة نشر أخبار كاذبة تهدد السلام الوطنى والأمن العام وعمل الحكومة.
المشاكل الاقتصادية لا تحل بتحويل الأنظار عنها إلى مواجهة مصطنعة مع الإعلام المحلي، فهو يصف ما يرى من أزمة اقتصادية خانقة، عرضت بعض جوانبها فى السطور السابقة مكتفياً بمعلومات أكيدة ومن دون أى رأى.
المشاكل الاقتصادية لا تحل أيضاً والنظام الجديد يخوض معركة مستمرة مع القضاء، بدل التركيز على الأهم. متظاهرون إسلاميون حاصروا مقر المحكمة الدستورية العليا فى 2/12 الماضى ومنعوها من أداء عملها، والقضاة أضربوا، وهم سيعودون إلى العمل وينظرون فى 15 من هذا الشهر فى شكاوى عدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى، وعدم دستورية معايير أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور. وقد عاد الخلاف بين النائب العام طلعت عبدالله ووكلائه الذين لا يريدونه وأضربوا لعزله.
فى غضون ذلك، لا مصالحة مع المعارضة، ولا حوار، ونمو الاقتصاد سجل 2.6 فى المئة، فأقارن هذا الرقم بأرقام حكومة أحمد نظيف فى العقد الأول من هذا القرن، عندما كان النمو ثمانية فى المئة سنوياً، و4.5 فى المئة سنة الأزمة المالية العالمية 2008. يا ناس، قاوموا الفساد ولا تقاوموا الاقتصاد.
كل ما سبق معلومات موثقة فأكمل برأى مختصر هو أن مشاكل اقتصاد مصر لا تحل بافتعال معارك مع الإعلام أو القضاة أو تغيير وزراء، أو بالاعتماد على شهادة من حبيب العادلى عن دور حسنى مبارك فى مواجهة التظاهرات ضده.
هى أيضاً لا تحل بإنكارها، فقد لاحظت أن أعضاء جماعة الإخوان وأنصارهم يقدمون الولاء للجماعة على الولاء لمصر، ويعتقدون أن كل مَنْ انتقد أداء النظام عدو لا ناصح، فأقول لهم بلغة يفهمونها أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
(فى مقال أمس ورد خطأ مطبعى فى أول سطر والصحيح بغداذ، لا بغداد، ويقال أيضاً بغذاد وبغذاذ وبِغدان).
-نقلاً عن الحياة اللندنينة-