أحمد قذاف الدم يكتب لـ "فيتو": من أنتم؟
في كل عام نتبادل التهاني، طوال المناسبات عام سعيد، كل عام وأنتم بخير، وكأن الأعوام التي تأتي وتذهب هي من يصنع السعادة، ونتطلع إلى السماء التي لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ونراقب الشعوب حولنا، تتمختر على سطح المريخ، ونحن نتقاتل على رغيف خبز، ونلعب الكرة.
في شوارع مدننا برؤوس الكفار، الذين هم أبناء جلدتنا يؤدون الفرائض الخمس، ويتلون الشهادتين قبل الذبح، ذهبنا لنقاتل الروس في أفغانستان، وتركنا القدس خلفنا تئن من الجراح هل هو "حول" أم "غباء"، ومقاتلي بيت المقدس يحاربون جيش مصر في سيناء، وتركوا خلفهم البيت المقدس "يدنسه الصهاينة" هل هو حالة هروب أم أمة ضلت الطريق "صم..عمي".
دخلنا جميعًا 2011 في حالة هذيان، نطالب بإسقاط النظام في كل الميادين، كأننا نتسابق نحو "الفوضى"، كل أجهزة المخابرات.. تعرف أن ذلك صنع في الغرب، وسايرت الناس إلى المجهول، وصمتنا جميعًا لأن كافة الأنظمة لم تكن لها أي صوت تواجه به، ولم تصنع لهذه الجماهير البائسة ولا هؤلاء الشباب الطامحين أملًا أو مشروعًا للغذاء ولا للغد.
العالم صنع تكتلات وتوحدت دول لا يجمعها شيء وهي دول ذرية، فقيرها وغنيها، لم ينظروا للخلف، ولا لحروب فقدوا فيها 40 مليونا، لم ينظروا لدياناتهم ولا لغاتهم، وخرجت من كل ذلك الصراع بالحل.
وفي مشهد أعد له بعناية ووعي، ظهر العملاق الأوروبي والأسيان "إلخ" وعلى مرمى حجر وقف الخلق ينظرون إلينا في غياهب الجب.. وفي وقفة مقارنة بين السبعينيات، عندما أطل عبد الناصر والقذافي والنميري ليعلنوا "قيام دولة اتحادية"، واستبشرت الأمة وقتل عبد الناصر لكي لا تقوم هذه الدولة "العملاقة"، تحرك القذافي سريعًا فترة الإعداد لحرب 73م مع الرئيس السادات والأسد، وقدم مشروع الاتحاد الثلاثي، ووقفت جماهير هذه الدول في طوابير لتعلن "نعم" في أول استفتاء غير مزور يشهده العالم العربي، وأذكر أن القذافي عندما كان يصيغ هذا المشروع، وضع شرطا بأنه لا يسقط هذا الاتحاد إلا بالاستفتاء، ويومها قال الرئيس السادات "ليه يا معمر لا تثق فينا؟ فرد القذافي.. لا يا سيادة الرئيس نحن سنذهب جميعًا، وعلينا قطع الطريق.. لمن يأتي بألا ينسف هذا الاتحاد الذي علقت عليه الأمة آمالها"، شكلنا حكومة وبرلمانا اتحاديا، مقره الشهير مبنى الاتحادية الآن.
شكلت لجان لتوحيد القوات المسلحة والشرطة والأجهزة، فتعلمنا من أخطاء وحدة مصر وسوريا، كانت هناك خطط اقتصادية للنهوض، ودخلنا الحرب بهذه الروح الوثابة ومعنا الأمة كلها، وانطلقت المدافع في لحظة واحدة وساعات مجيدة من الجولان والقناة.. وللأسف حدث لنا ما حدث مع "عباس ابن فرناس" الذي أسس لقوانين الطيران الذي يغطي سماء العالم، واليوم ونحن شوارعنا ورؤوسنا مغطاة بالقمامة.
تحولنا إلى أمة مشلولة الإرادة، وسلمنا أمرنا لأعدائنا كمحميات، وحولونا إلى وقود كل معارك التدمير الذاتي، وحقل تجارب لحروب الجيل الخامس، ونحن نكبر في مساجدنا دون وعي، ونتناحر لأتفه الأسباب، لأننا ننفذ مخططات قديمة تستهدف الإسلام "الخط الأخضر"، وعشنا زمنا في هيستيريا لا تنتهي من الدماء والدمار والتهجير، وعندما تشاهد الإذاعة المرئية لا تعرف هل ذلك في بغداد أو دمشق أو عدن أو طرابلس أو في جبال الشعانبي.. ولا أدري أين تصل غدًا؟
الشهيد القذافي كان يحذر الأمة دائمًا وهذا موثق، هذا الفراغ من البحرين إلى طنجة، إما نملؤه باتحاد عربي أو يملؤه الاستعمار.
تركنا مواجهة حقيقية، المأساة والأسباب، ومسكنا في تلابيب الغرب والأتراك، اللذين وجدا فراغًا جاء إليه الأمريكان والصهاينة.. فتداعت هذه الأمم تدافع عن حدودها، وتغنم ما تستطيع ومدوا ذراعًا شيعيًا وآخر سنيًا، كغطاء لهذا التحرك، ووجدوا في الربيع العبري ضالتهم؛ فتحصن الشيعة في طهران، وبقايا السنة في إسطنبول، ودفع لنا الغرب بأديان وافدة لا علاقة لها بدين "محمد عليه الصلاة والسلام".. فظهر الإخوان في انتهازية ونفاق للأسف، وقدموا لنا القاعدة والدواعش، الذين اختطفوا خير شباب الأمة، وطرحوا مشروع الخلافة، في غياب أي مشروع للدفاع عن الأمة، وتعلق شبابنا به، وبدلًا من أن نتوحد تحت خلافة واحدة.. أصبحنا فرقًا وأحزابا وكل بما لديهم فرحون وحلت اللعنة على هذه الأمة.
والغريب اليوم أن كل الدمار في العالم الإسلامي، والمخطط الخطير لا يفرق بين المغرب وليبيا والبحرين ولا طهران ولا إسطنبول، وإنما أدخلنا في صراع لا ينتهي إلا بنهاية الجميع، ونشارك جميعًا بغباء نادر ونُجر كالأنعام، ولن ينتصر أحد ولن يستقر أحد في مسلسل الرعب الذي لا ينتهي.. مالم نصح.
وهذا ما أحذر منه في بداية هذا العام، الحل هو قمة عاجلة يدعو إليها "الملك سلمان" في مكة، تشارك فيها مصر وإيران وتركيا.. لوقف نزيف اليمن وسوريا، والعراق وليبيا، وتضع حدًا للمزيد.. البعض يقول إيران وتركيا أعداء الأمة، أجبرتنا الضرورات أن نتنازل ونجلس مع الصهاينة، إذن الحوار ليس حرامًا وإنما حرب بدون دماء، والأطراف جميعها في أسوأ حالاتها، ومسئوليتنا أن نلم شعثها، ونوقف هذا النزيف في جسدها. وعلى الصعيد العربي.. لابد من طرح مشروع الاتحاد العربي الذي علاه الغبار في الجامعة على قمة عاجلة، ونبدأ حشد الإمكانيات والهمم، وإعطاء شبابنا أملًا في أمة يتحرك فيها من طنجة إلى البحرين، بدون جواز أو عقد أو إهانة، ندمج قدراتنا العسكرية والسياسية والاقتصادية، نطور تعليمنا وصحتنا وموقفنا أمام هذا التطاول الفج.. غير المسبوق من ضم القدس إلى الجولان.. إلى إجبارنا على دفع الإتاوات.. إلى إجبارنا على تمويل صواريخ تتساقط على مدن عربية، تزيد الأحقاد في استنزاف يهدف لتركيع الجميع.. " فنحن من لم يمت بالسيف مات بدونه " تعالوا نقلب السحر على الساحر.
أكرر ما كان يقوله الشهيد القذافي: بأن ليس للاستعمار زمن، وإنما ظروف إذا ما وجدت جاء.. ونحن من يصنع الظروف، وعلينا أن أن نصحح أخطاءنا وننشر الفريضة الغائبة وهي "العلم" لنخرج من هذا التيه..علينا أن نمنع العودة للعبودية.. ونضع الأمة في المكان الذي يليق.. وإلا فعلى الأمة السلام.