عاطف فاروق يكتب: حكاية المستشار "عمر مروان".. فارس العدالة ووزيرها | وثائق
فارس قصتنا اليوم المستشار عمر مروان، وزير العدل الجديد حاصل على رخصة قيادة النصوص الجنائية، فهو يستطيع أن يطوع نصوص القانون للوصول للحقيقة الدامغة من أقصر الطرق، واسع الصدر ومحيط بكافّة ملابسات القضية التي يحكم فيها بالعدل، هو من أهل التأمّل ولا يمرّ بسهولة على القضايا، ولا يقضي دون دليل، عزيز النفس، بعيداً عن أطماع الدنيا، وأبلغ مثال على ذلك واقعة شهيرة حسمها هذا الفارس منذ 27 عامًا ببراعة شهد بها القاصي والداني حينذاك.
وأكدت مذكرة أعدها المستشار عمر مروان، منذ أكثر من ربع قرن عندما كان عضوًا بالمكتب الفني للنائب العام، في إحدى القضايا الكبرى التي باشر التحقيق فيها أن وقائع القضية رقم 4059 لسنة 1992 جنايات النزهة بدأت فيما أثبته حينذاك العميد سيد فريد، وكيل المباحث الجنائية لقطاع الشرق بمحضر جمع الإستدلالات المؤرخ 14 يونية 1992 وما قرره بالتحقيقات من تعدد البلاغات ضد طارق محمد إمام عن إعتدائه وتهديده بعض الأفراد في الأماكن السياحية.
النائب العام يأمر بالتحقيق في واقعة ضبط رئيس مصلحة الضرائب متلبساً بالرشوة
وأبلغ مجدي وليم يوسف في 8 يونية 1992 عن تعديه وتهديده بسلاح ناري يحمله وإتلاف سيارته عمدًا وسرقة بعض متعلقاته أثناء وجوده بفندق شيراتون هليوبوليس، والتعدي على خطيبته هالة جورج يونان وشهرتها الممثلة (هالة صدقي) وتهديدها بحرق سيارتها وتشويه وجهها.
وأبلغ أيضًا مصطفى محمد حامد، المدير التنفيذي لفندق شيراتون هليوبوليس بأن طارق محمد إمام يحضر للفندق حاملًا أسلحة نارية ويهدد العاملين من آثار الذعر بينهم، كما أبلغ النقيب خالد كمال عبدالحميد، الضابط بإدارة تأمين الفنادق أن نائب مدير الفندق أخطره بوجود "طارق إمام" داخل حمام السباحة في حالة هياج شاهرًا وتحرر ضده المحاضر أرقام 4007 ، 4012 ، 4032 جنح النزهة.
وأسفرت تحريات الرائد محمد توفيق، رئيس مباحث النزهة أن طارق إمام يمارس أعمال البلطجة بالفنادق الكبرى ويحوز هو ووالده أسلحة نارية بدون ترخيص، فاستصدر إذن من النيابة العامة بتاريخ 10 يونية 1992 لضبطه وتفتيشه وتفتيش مسكنه الكائن 5 شارع عبد الغفار سليم حيث تم إعداد مأمورية من العمليات الخاصة مع رجال المباحث لتنفيذ إذن النيابة، وعند التنفيذ يوم 14 يونية 1992 فوجئت القوات بالأعيرة النارية من واجهة العقار وشرفة خلفية.
وطلبت القوات من المتهم تسليم نفسه إلا أنه رفض مستمرًا ووالده في إطلاق النار، فأصيب الضابطان فيصل محمود وطارق عبد المنعم والجندي أحمد فكري حيث تم تعزيز القوات ومبادلتهما إطلاق النار مع إستخدام الغازات المسيلة للدموع مما أدى إلى حدوث حريق بالشقة ووفاة طارق محمد إمام داخلها متأثرًا بإصابته، وأصيب والده عند قفزه من الشرفة وتوفي عقب ذلك.
وأوضح العميد سيد فريد في التحقيقات أن قوات العمليات الخاصة هي من تعاملت مع المتهم ووالده بينما قام رجال المباحث بمراقبة الموقف، وأسفر تفتيش الشقة عن ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر وحوالي 1361 فارغ طلقات، مشيرًا إلى أنهما كانا يتاجران في الأسلحة بدون ترخيص.
طارق امام ووالده أطلقا النار علي الشرطة من واجهة العقار والمنطقة الخلفية، وردت قوات الشرطة عليهما بعد أن أنذرتهما بتسليم نفسيهما، فاحترقت الشقة وسقط الأول صريعاً داخلها بينما أصيب والده بعد قفزه من شرفة الشقة بطلقتين في فخده الأيمن، فأن فعل الشرطة يتوافر في شأن الشروط القانونية لاستعمال حق الدفاع الشرعي، وأصيب محمد إمام في قدمه اليمني وسحبته جنود الشرطة ووضعته أمام مدخل العقار وتركته، وبعد 20 دقيقة توفي متأثراً باصابته حيث ثبت من شهادة الدكتور الهام أحمد فارس أنه لو تم علاجه في هذه الفترة لأمكن إنقاذ حياته، إذ أن سبب الوفاة هو النزيف الإصابي الناتج عن تهتك الأوعية الدموية من جراء الاصابة بطلقتين ناريتين في فخذه الأيمن، فإن ذلك يثير شبهة جناية القتل العمد.
وظروف الواقعة كما قال المستشار عمر مروان عبر مذكرته تشير الى أن قوات الشرطة كانت تهدف من الرد علي إطلاق النار الدفاع عن نفسها فقط، وأن اصابة محمد إمام ليست في مقتل حيث مما يعني أنها كانت تهدف الي تعجيزه دون قتله، ولذلك لا تتوافر نية القتل وإزهاق روحه لدي قوات الشرطة، حيث تم إستبعاد شبهة جناية القتل العمد من الأوراق.
وأما عن الزج باسماء بعض قيادات الشرطة في الواقعة، فقد نفي اللواء فادي الحبشي والعميد سيد فريد أي دور لوزير الداخلية الأسبق محمد عبد الحليم موسي واللواءين رضا عبد العزيز وتاج أبو النصر في تنفيذ المأمورية، وإنما أحيطوا علمًا بالواقعة بعد تفاقم الوضع وتبادل اطلاق النار.
وبخصوص إتهام اللواء فادي الحبشي والعميد سيد فريد بارتكاب بعض الجرائم فقد ذكر الشاهد طارق محمد فرج، صديق طارق امام انه سمع فادي الحبشي يأمر قوات الشرطة باطلاق النار على محمد امام، وأن أحد القوات أبلغه بسقوطه قتيلا، ثم عاد وقرر أن اللواء فادي الحبشي لم يسمع محمد امام لانه كان من الناحية الاخرى من العقار، فاذا ما أضيف الى هذا التردد في اقوال الشاهد الذي طلبت "والدة الأول وزوجة الثاني" سماع شهادته بعد فترة من الواقعة أن احداً من باقي الشهود لم يذكر أن فادي الحبشي كان يقود عملية اطلاق النار من جانب الشرطة.
كما نفي مالك العقار 3 ش عبد المعطي الخيال وجود هذا الشاهد على سطح عقاره لمشاهدة الواقعة، وقوات الشرطة التي تعاملت مع طارق ووالده تابعة للأمن المركزي ولها قيادتها المستقلة عن المباحث حيث شهد قائد القوات في العملية المقدم محمود الغندور أنه لم يسمع أي أمر من اللواء الحبشي الى قواته بضرب النار، وأن هذه القوات دافعت عن نفسها عندما أطلق عليها النار، مما يكون ما ساقه البعض من اتهامات للواء فادي الحبشي والعميد سيد فريد، إفتقر الى الدليل، ولذلك تم إستبعاد هذه الإتهامات من الأوراق.
وقال المستشار عمر مروان أنه بعد إصابة محمد إمام، نَقله جنود "لم تُحدَد شخصياتهم" إلى مدخل العقار، حيث ظل حيًا 20 دقيقة حتى توفي، وكان من واجبات رجال الشرطة مساعدةَ المصابين والعمل على إسعافهم، إلا أن جنود الشرطة إكتفوا بنقل المصاب من مكان إصابته دون نقله إلى سيارة الإسعاف، الأمر الذي يعني أن وفاته نجمت عن إهمال ورعونة بعض جنود الشرطة، وهو ما يعد إخلالًا جسيمًا بما تفرضه عليهم اصول وظيفتهم، ومن ثم نهضت في الأوراق جنحة القتل الخطأ المؤثمة بالمادة 238/2،1 عقوبات، وأما عن الإسناد، فقد أكد المستشار "عمر مروان" أن من إرتكب الجريمة غير معلوم الأمر الذي يكون معه الفاعل مجهولًا.
وأنتهت المذكرة إلى التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل طارق محمد إمام ووالده لإنقضائها بوفاتهما، مع مصادرة الأسلحة والذخيرة والمفرقعات المضبوطة الغير مرخصة وتسليمها إلى وزارة الداخلية، والجهة الإدارية وشأنها بالنسبة للأسلحة المرخصة، والتقرير في الأوراق بالأوجه لإقامة الدعوى الجنائية مؤقتًا عن واقعة التسبب خطأ في وفاة محمد إمام لعدم معرفة الفاعل.
وبعد هذا المثال من أعمال المستشار عمر مروان، وزير العدل وبعد سيرة ذاتية طويلة تُثير الإعجاب، كان لا بد لهذا الفارس الذي يقود النصوص الجنائية بحنكة ومهارة نادرة الوجود، أن يتقلد وزارة العدل ليكون قيادًة وقدوة لكل من تشمله منظومة العدل فى البلاد.