أبو الجامعات في الشرق والغرب.. تفاصيل تحول الأزهر من المذهب الشيعي إلى السني
قالت نادية عبد الفتاح، مفتشة آثار بمشروع القاهرة التاريخية، إن علوم القرآن الكريم والحديث والكلام والأصول والفقه على مختلف المذاهب، بالإضافة إلى علوم اللغة كالنحو والصرف والبلاغة، ثم الأدب والتاريخ مزدهرة في العصور الوسطى بجامع الأزهر الشريف.
وأكدت أن عمارة جامع الأزهر عكست لنا حاليًا صورة لتاريخ العمارة الإسلامية في مصر من العصر الفاطمي حتى عصر الخديوي عباس حلمي الثاني، وذلك بسبب ما أحدثه فيه الخلفاء والسلاطين والأمراء من إصلاحات وإضافات معمارية، ويلاحظ أن موضع جامع الأزهر لا يتوسط مدينة القاهرة كما جرت العادة عند تأسيس المدن الإسلامية، ولكنه بُني في الثلث الجنوبي من المدينة لارتباط هذا الموقع إلى حد كبير بموضع القاهرة مع المدن الإسلامية في الجنوب منها (القطائع - العسكر - الفسطاط) مما ييسر دخول المصلين في الجامع من هذه المدن بالإضافة إلى ابتعادة عن القصر الفاطمي الذي يقع إلى الشمال من الجامع.
العثور على ٣٧٠ عملة معدنية مخبأة في كنيسة أبو فانا الأثرية بالمنيا
أسباب اختيار موضع الجامع:
يبدو أن موضع الجامع في الثلث الجنوبي الشرقي من القاهرة كان له علاقة أيضًا بأبواب القاهرة في هذا الجانب والتي بلغ عددها خمسة أبواب من مجموع ثمانية أبواب من أسوار القاهرة، وهذه الأبواب هي (باب سعادة، فرج، زويلة، البرقية، والقراطين) ويلاحظ قرب البابين الأخيرين اللذين يقعان في الضلع الشرقي من أسوار القاهرة وفي نفس الوقت قريبين من موضع الجامع تسهيلًا لمرور من يأتي بالجهة الجنوبية الشرقية إلى الجامع، كما أنه قريب من القصر الشرقي الكبير (قصر الخليفة المعز)، وهو ما ييسر وصول موكب الخليفة إليه وهو بذلك يتفق مع السمة العامة في المدن الإسلامية من مجاورة المسجد الجامع على مقربة من قصر الخلافة أو دار الإمارة لكن المجاورة هنا لم تكن لصيقة كما هو الحال في المدن الإسلامية الأخرى، ولكن كان يركب الخليفة في موكب ليصل إلى الجامع في الإطار الملكي الفاطمي.
تاريخ بناء الجامع:
بدأ جوهر الصقلي في بناء الجامع يوم السبت 6 جمادي الأولى 359هـ أي بعد حوالي 9 أشهر من بدء إنشائه لأسوار القاهرة، وانتهى من بنائه في 9 رمضان 361هـ.
تحول الأزهر من المذهب الشيعي إلى السني:
كانت الصبغة المذهبية تغلب على الدراسة بالأزهر بالعصر الفاطمي فقد كان لعلوم المذهب الشيعي وفقه آل البيت من حلقاته الدينية بالمقام الأول؛ لذلك اهتم الخلفاء الفاطميون بعمارة الجامع ومن هؤلاء العزيز بالله حيث كلف الوزير يعقوب بن كلس عام 378هـ/997م ببناء دار بجوار الجامع لفقهاء المذهب الشيعي ووقف عليهم أوقافًا تساعدهم على الاستمرار في عقد حلقات الدرس بالجامع.
وفي أواخر القرن 6م أي بعد سقوط الدولة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية قام السلطان صلاح الدين بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى جامع الحاكم بأمر الله وكان ذلك في إطار سياسته للقضاء على المذهب الشيعي واقتصر إقامة الصلوات الخمس داخل الأزهر بعدها أصبح الجامع يُدرس فيه العلوم العقلية إلى جانب العلوم الدينية بصورة منتظمة، فنرى مثلًا العلامة عبد اللطيف البغدادي كان يُدرس علم الطب والفلسفة والمنطق في هذه الفترة، إلا أن الجامع كان مهملًا معماريًا حتى عهد السلطان الظاهر بيبرس، حيث تم في عهده وعلى يد أحد الأمراء وهو الأمير عز الدين أيدمر والذي كان يسكن بجوار جامع الأزهر بطلب للسطان الظاهر بيبرس لأعادة إعمار الأزهر حيث قام بتعميره من ماله الخاص بالإضافة إلى ما أعانه به السلطان الظاهر بيبرس،فقد تم إصلاح سقوفه وتبليطه وفرشه وتعتبر أعمال الأمير بيلبك الخاذندار وهو من أمراء الظاهر بيبرس أيضًا بداية مرحلة جديدة في تاريخ جامع الأزهر؛ فقد أصبح الجامع بما قرره من درس للمذهب الشافعي مركزاً لتعليم المذهب السني بعدما كان في العصر الفاطمي مركزاً للمذهب الشيعي، ويمكن اعتبار هذا التوظيف الجديد للجامع إعادة تدوير وظيفي لعمارة الجامع حيث صيغ بالصيغة المملوكية السنية التي أعيدت له الخُطبة، وقرر به درس على المذهب الشافعي ودرس للحديث وقراء القرآن الكريم وبنفس الأسلوب الذي شاع في العمائر الدينية المملوكية السنية، وظل الجامع يؤدي هذه الوظيفة التي طورت في العصر الحديث تطويراً وصل إلى أن أصبح "جامعة الأزهر".
ولم يكتف الأمراء المماليك بتقرير الدروس الفقهية الشافعية والحنفية بالجامع، بل إن بعضهم أنشأ بجوار الجامع مدارس كاملة مستقلة لتدريس المذهب السني وكانت هذه المدارس تستغل في الصلوات الجامعة ملحقة بالجامع الأزهر وهي:
1- المدرسة الطيبرسية التي أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس الخازنداري نقيب الجيوش في عهد الناصر محمد بن قلاوون عام 709هـ / 1309م، وجعلها مسجداً زيادة في الجامع الأزهر وقرر بها دروساً للفقه الشافعي.
2- المدرسة الأقبغاوية والتي أنشأها الأمير أقبغا من عبد الواحد كان استدارًا للناصر محمد بن قلاوون عام 740هـ /1340م، وقد أنشئت هاتان المدرستان في الجهة الغربية من الجامع عند باب المزينين.
3- أما المدرسة الثالثة فهي المدرسة الجوهرية والتي أنشأت في العصر المملوكي الجركسي بالجهة الشمالية الشرقية فأنشأها الأمير جوهر القنقبائي عام 844هـ / 1440م، وأستمرت اعمال المماليك الجراكسة في الجامع فقد أنشأ السلطان قايتباي مأذنة للجامع أعلى الباب الذي شيده ليربط بين المدرسة الأقبغاوية والمدرسة الطيبرسية من الداخل.
وفي عصر السلطان الغوري قام ببناء مئذنة تقع على يمين الداخل لصحن الجامع بالقرب من مئذنة قايتباي في الركن الجنوبي الغربي للصحن، وتمتاز هذه المئذنة بوجود سلمين بين طابقيها الأول والثاني حيث يمكن أن يصعد عليها مؤذنان مرة واحدة دون أن يرى أحدهما الآخر وهي من الحيل المعمارية التي تدل على براعة المعمار المملوكي.
عمارة جامع الأزهر في العصر العثماني:
يعد أكبر تعديل معماري في الأزهر كانت على يد الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1167هـ/1754م، حيث وسع الجامع خلف القبلة وأزال قطاعًا كبيرًا من جدار القبلة ليربط رواق القبلة القديم بالمساحة التي أضافها وجعل أرضية الجامع المضافة أعلى من أرضية الجامع الأصلية وبنى جدران شمالية وجنوبية وشرقية لهذه المساحة، وجعل بالجدار الشرقي محرابًا مع الاحتفاظ بالمحراب القديم بجدار القبلة القديم والذي غُطي بطاقية خشبية في العصر المملوكي ولكن نزعت عند الكشف عن المحراب الفاطمي الأصلي ونقلت الطاقية الخشبية لثبيت جدار القبلة في إضافة عبد الرحمن كتخدا.
قام عبد الرحمن كتخدا بإنشاء ضريح له ألحقة بالجامع لُيدفن به وذلك بالجدار الجنوبي بالزيادة التي أنشأها في الجامع ويتوسط حجرة الضريح تركيبة رخامية عليها نقوش كتابية تضم أسماء المبشرين بالجنة، ودُفن بهذا الضريح عام 1190هـ /1776م، وأمام هذا الضريح سبيل، كما أنشأ باب الصعايدة وبجواره مئذنة وباب الشوربة بالضلع الشمالي وبجوارة مئذنة.
بالإضافة إلى إنشاء باب المزينين (عُرف بهذا الأسم لقيام المزين بحلق رأس الطلاب قبل دخولهم الجامع للدراسة) في الواجهة الغربية ليربط بين المدرسة الطيبرسية والأقبغاوية من الخارج وبُني فوق هذا الباب مكتباً لتعليم القرآن الكريم.
عمارة جامع الأزهر في عهد الأسرة العلوية:
توالت أعمال الإصلاح بالجامع في عهد الأسرة العلوية خاصة عهد الخديوي إسماعيل وتوفيق وعباس حلمي الثاني وهذا لأخير أهتم بتجديد عمارة الجامعوأصلح ما به من أحجبه خشبية وسجل ذلك بتاريخ 1310هـ /1892م، وفي عام 1314هـ /1896م أصدر الخديوي أمر بإنشاء مكتبة للجامع كما أنشأ الرواق العباسي الذي تم إفتتاحة عام 1315هـ /1898م.
لم يتبق من العصر الفاطمي غير صحن المسجد والرواق الملتف حوله وقبلة الخليفة الحافظ لدين الله.