ميكي ماوس يكتب: شاعر الغلابة بيرم التونسى

فى مجلة الجديد يناير 1973 كتب الناقد الفنى عبدالله أحمد عبدالله بتوقيع “ميكى ماوس“ ـــ اسم شهرته ــــ مقالا فى ذكرى رحيل شاعر العامية بيرم التونسى (5 يناير عام 1961) قال فيه: لم يعرف تاريخنا الأدبي المعاصر شاعرا نفى خارج مصر قبل أحمد شوقى حين قضى نفيه إلى الأندلس فأطلق هناك سينيته المشهورة قال فيها: اختلاف النهار والليل ينسى ... اذكرا لى الصبا وأيام أنسى وطنى لو شغلت بالخلد عنه .. نازعتنى اليه فى الخلد نفسى. 

ولم يعرف التاريخ بعد شوقى شاعرا دفع ثمن شعره الحر نفيا وتشريدا سوى أمير الشعر الشعبى محمود بيرم التونسى. كتب بيرم يصور حنينه إلى مصر وهو يمشى على نهر السين فى فرنسا يقول: على السين يا مصر مشيت .. إياك يسلينى  ولا نهر الرون يروينى .. ولا مية نهر السين.

وفى ذكرى بيرم نسأل سؤالا ماذا تبقى للتاريخ من بيرم التونسى؟ يبقى منه للتاريخ أنه ثالث شاعر تطارده السلطات من تحت رأس شعره .. بعد عبدالله النديم أيام الخديو إسماعيل وبعد شوقى، وأنه ثانى شاعر ينفيه شعره بعد شوقى  ويبقى من بيرم أنه بدأ بمهاجمة السلطة والملكية فى عهد الملك فؤاد ثم لما عاد من المنفى عادتها بل وترنم بمديحها. وسيبقى من بيرم أنه شرع قلمه فى مهاجمة الامتيازات الأجنبية وظلم الفلاح والعامل والأرزقية وتخلف المرأة والصناعة والتعليم فى بلاده، كما أنه شاعر الغلابة الذى ترجم فى شعره معاناة وأحاسيس العمال كل فى حرفته معبرا عن الفقراء والغلابة منهم، كما هاجم ممالأة بعض المشايخ للاحتلال بل والهجوم على مفتى الديار الشيخ محمد بخيت بأكثر من زجل أذكر منها: أول ما نبدى القول .. نصلى على النبى  نبى عربى عربى .. يلعن ... بخيت.. 

ويبقى منه أنه نبه مبكرا إلى تلاعب اليهود والأجانب فى البورصة مما كان يؤدى إلى خراب بيوت الفلاحين وعمار بيوت اليهود والمستغلين  ويبقى من بيرم أنه كان من رواد التأليف  للمسرح الغنائى فى العشرينات بالعديد من المسرحيات مثل "الباروكة " وفى الأربعينيات قدم "شهرزاد، يوم القـيامة، عزيزة ويونس، وكتب حوار لقصة محمود تيمور وهى قصة بدوية بطريقة سلسة وبسيطة. 

حكايات بيرم التونسي بدار الأوبرا فى الإسكندرية 

وسيبقى له أخيرا أنه اهتدى فى أواخر حياته عن طريق التصوف فحج الى بيت الله الحرام وعاد تائبا عابدا متهجدا وترجم هذه الأحاسيس فى قصيدة (القلب يعشق كل جميل) التى غنتها الست أم كلثوم.