"القصير" من تاني
يعرف المتابعون لعمليات حزب الله أن الإكثار من القتل ليس جزءا من استراتيجيته الجهادية كما هو حال تلك الجماعات الإرهابية التى تعمد لإثبات قوتها وهيبتها عبر تلك الأساليب الوحشية المقززة المتمثلة فى ذبح الأسرى وبث صور إعدامهم مثلما شاهدنا بأم أعيننا خلال الفترة الماضية.
إن هذه التصرفات الهمجية فضلا عن وحشيتها ولا أخلاقيتها تؤكد أمرا بالغ الأهمية وهو غياب الرؤية الاستراتيجية لدى هؤلاء، وأن الأمر يتعلق فى الأساس بنزعة بربرية انتقامية تفتقد لأى رؤية سياسية بعيدة الأفق.
ماذا يجدى لو قام حزب الله بإبادة مناوئيه دون مبرر أخلاقى بعيد المدى، إذ أننا لا نشك أننا سنجلس مع أبناء هؤلاء المقتولين فى يوم قد لا يكون بعيدا لنتحاسب ونتعاتب حيث لا بد من تبرير مقبول ومعقول وهو أن هؤلاء ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى المتمثلة فى تحالف عضوى استراتيجى مع العدو الصهيو أمريكى وكان لا بد من مواجهتهم، ومن ثم فإن الاشتباك معهم وقتلهم كان بدافع مشروع ونبيل وهو منعهم من إتمام الجرم، وليس لأنهم يعتنقون فكرا أو مذهبا لا نقبله أو نرتضيه.
هذا هو الدافع الحقيقى لدخول حزب الله وآخرين على خط المواجهة وتحديدا فى معركة القصير.
فالذين تشويهم المفخخات والأحزمة الناسفة فى العراق الجريح يتعين عليهم أن يواجهوا مشروع تدمير العراق فى عقر داره ومقر قيادته لا أن يكتفوا بخنق المرور على الطرق بحثا عن سيارة مفخخة أرسلها قادة الفتنة القابعون فى مقر قيادتهم.
القاعدة الشرعية والعقلية تقول: (وَإِن نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) التوبة (12).
إنه نفس الدافع وراء اشتباك حزب الله مع قوى الرابع عشر من آذار فيما عرف بأحداث السابع من أيار عام 2008 إفشالا لخطة حربية سطرت فى مراكز قيادة العمليات الصهيو أمريكية المتحالفة مع إقطاعيات النفط الخليجية والثابت أن قتلى هذه الاشتباكات لم يزيدوا على أصابع اليد الواحدة أى إنه لم يكن هناك قتل مستهدف ومن باب أولى أى عمليات إبادة.
السبب الحقيقى لدخول حزب الله معركة القصير هو ذاته الذى دفع الحزب لشن غارة استباقية على مواقع الغلام التائه سعد الحريرى يوم السابع من أيار 2008 مع فارق جوهرى أن المنفذ يومها كانت ميليشيا سعد المسماة بـ(سيكوريتى بلس) وهى جماعة هواة صغيرة بائسة لا تمتلك تلك الخبرات الدموية التى يمتلكها تنظيم القاعدة المتجمع الآن فى سوريا بعنوان (جبهة النصرة) والذى تديره مباشرة أمريكا وإسرائيل وتركيا ومخابرات النفط المسموم الذى يراد له أن يحرق العالم العربى والإسلامى بدلا من بنائه وتنميته.
فقد كشفت معلومات استخباراتية روسية إيرانية عن مخطط كبير رسمته الاستخبارات اﻷمريكية واﻹسرائيلية واستخبارات غربية وعربية للتخلص من حزب الله ومحاصرته والقضاء عليه وتجريده من سلاحه ﻷجل ضمان إسرائيل.
إنه المخطط الذى يهدف للسيطرة التامة على منطقة حمص وريف القصير والمناطق المتاخمة للحدود اللبنانية السورية من ناحية البقاع الشمالى وعكار وقطع كل طرق التواصل بين حزب الله والنظام السورى، ثم الانقضاض على القرى الشيعية بريف القصير وذبح أهلها وتهجيرهم والسيطرة على مناطقهم وخلق جبهة تماس جديدة بين لبنان وسوريا، عنوانها الحرب بين حزب الله من جهة وجبهة النصرة من جهة أخرى وإلهاء حزب الله عن معركته الحقيقية عبر فتح جبهة جديدة وقوية بالشمال البقاعى. والدفع بمقاتلين من تنظيم القاعدة وجبهة النصرة إلى منطقة عرسال وجرودها لشن هجمات من الداخل اللبنانى على حزب الله وطرق إمداده إلى منطقة الهرمل وجرودها عبر محاولة هؤلاء احتلال منطقة اللبوة انطلاقا من عرسال وفتح جبهة طرابلس وإسقاط جبل محسن وفتح جبهة عكار فى المنطقة المتاخمة لفيسان الهرمل والضغط على حزب الله لسحب ثقل قواته من الجنوب والضاحية فتنقسم بذلك منطقة البقاع إلى ثلاث مناطق محاصرة ومعزولة بعضها عن بعض، هذه المناطق هى: الهرمل وقضائها معزولة عن بعلبك من خلال احتلال اللبوة والمحيط، وبعلبك معزولة عن البقاع اﻷوسط من خلال إسلاميى البقاع الغربى وتيار المستقبل، وتتم محاصرة الضاحية عبر قطع طريق الجنوب بيروت، حينها تتاح الفرصة ﻹسرائيل للانقضاض والهجوم على الجنوب بعد فتح كل الجبهات مع بعضها البعض ﻹرباك الحزب وتشتيت قواته.
هذا الأمر دفع بإيران وسوريا وحزب الله للمبادرة بقطع الطريق على هذا المخطط الغربى اﻹسرائيلى العربى بأخذ زمام المبادرة والهجوم على القصير قبل أن تكتمل فرص التوقيت والتجهيز التى كان يشرف عليها نخبه من كبار ضباط استخبارات إسرائيلية وفرنسية وبريطانية وتركية وقطرية وسعودية وأردنية قبل أن يقع هؤلاء جميعهم بقبضة وحدة النخبة من حزب الله وإفشال مخططهم.
المعلومات المتواترة عبر وسائل الإعلام تؤكد صحة هذا التحليل وتؤكد قتل أو وقوع أعداد من رجال الاستخبارات الغربية والتركية والقطرية فى أسر القوات المهاجمة عبر عمليات نوعية استهدفت مواقع تواجدهم بصورة مباشرة وليس عبر القصف العشوائى لبيوت المدنيين كما يزعم الإعلام الصهيووهابى.
القصف العشوائى الذى يطال المدنيين ويهدم البيوت على رءوس ساكنيها فضلا عن لا أخلاقيته أمر عديم الجدوى ويصرف المهاجمين عن تحقيق أهدافهم الحقيقية فى معركة أثبتت بحق أنها أم المعارك لا بسبب عدد من سقط فيها من الضحايا بل بسبب ما تحقق فيها من أهداف أهمها إفشال خطط الأعداء لمحاصرة المقاومة وإنهاكها بحرب استنزاف تحت عناوين مذهبية يعرف هؤلاء الشياطين أنها أبعد ما تكون عن الحقيقة والواقع.
سقط المخطط الصهيو أمريكى الذى ينفذ بأيد عربية إسلامية مع انهيار جبهة القصير حيث لا مجال للعودة إلى ما قبل بدء هذه الضربة القوية التى تعرض لها هذا الحلف المشئوم.
بقى الحديث عن دور حماس وجماعة الإخوان فى التآمر على المقاومة وهو ما سنكشفه فى تقريرنا المقبل.