رئيس التحرير
عصام كامل

"جحيم في المتوسط".."أردوغان" يسير في طريق إشعال ليبيا..العالم يترقب نتائج "مؤتمر برلين"..و مصر تنتهج الدبلوماسية الحاسمة

أردوغان
أردوغان

من سوريا إلى ليبيا.. ماذا يريد النظام التركى من المنطقة؟.. سؤال عريض تحتاج الإجابة عنه إلى دراسة جميع الخطوات المتهورة التي يتخذها النظام التركى، بقيادة رجب طيب أردوغان، فالأخير الذي أشعل سوريا طوال السنوات الماضية، متسلحًا بأكذوبة «نبع السلام»، وجه أنظاره خلال الأشهر القليلة الماضية ناحية ليبيا وبدأ الأمر بالدعم الخفى، الذي تم كشف تفاصيله بعد ذلك- للجماعات والميليشيات الإرهابية، ثم تحول «أردوغان» إلى المواجهة المباشرة، مستغلًا حالة الود التي تجمعه وحكومة «الوفاق» الليبية، بقيادة فايز السراج، الذي أبرم معه اتفاقيات لتبرير «التدخل التركى» في الجماهيرية.

السراج

«أردوغان» الذي لم يترك سنتميتر واحدا على الأرضية التي تجمعه بـ«السراج» دون استغلاله لتحقيق رغباته، سواء تلك الخاصة بـ«نهب ثروات ليبيا» أو تهديد المنطقة العربية، ومعها أوروبا، بجحيم إرهابي جديد، اتجه مؤخرًا للتلويح بكارت «التدخل العسكري في ليبيا»، ليستمر مسلسل إقحام تركيا لنفسها في الشأن العربي والتدخل بشكل سافر في شئون الدول، ضمن خطتها لتعزيز دور الجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة وتمهيد الطرق لتوليها السلطة، من أجل ضمان مصالحها النفطية ودرء الأخطار التي قد تهددها عن طريق استخدامهم في تنفيذ تلك الأجندة، ومحاولة خلق دور قيادي لنفسها بين الدول العربية تحت شعار إسلامي، وتقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتباره خليفة للمسلمين.

الموقف الأمريكي

 ووفقا لمصادر مطلعة فإن «الموقف الأمريكي من مجريات الأمور في ليبيا لم يكن حاسمًا، وتطرقت الإدارة الأمريكية للمسألة على استحياء، من خلال حديث البيت الأبيض عن ضرورة حماية ليبيا لاستقلالها، واستمرار التزامها بالتأكيد على سيادة البلاد وسلامة أراضيها، مطالبة من الأطراف الليبية وقف التصعيد واتخاذ خطوات نحو حل الصراع، على خلاف الموقف الروسي الداعم للجيش الوطني الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر، ورفض التدخل التركي في ليبيا، واعتبار أن التدخل هناك لن يساعد في تسوية الأزمة». 

الجيش الليبي

وعلى الرغم من الانحياز غير المعلن من جانب فرنسا للجيش الليبي، وعلى النقيض الدعم الكامل من إيطاليا لحكومة الوفاق، فإن كل من باريس وروما تدعمان جهود المبعوث الأممي غسان سلامة الخاصة بالتجهيز لمؤتمر برلين المقبل، والذي أكد الاتحاد الأوروبي في بيان له، أنه «أصبح الحل الوحيد لإعادة استئناف العملية السياسية ومسار المفاوضات من أجل الوصول لحل للأزمة الليبية». 

التحركات المصرية

ووفقا للمصادر فإن «التحركات المصرية الواضحة والمباشرة للتعامل مع التهديد التركي على مدار الأيام الماضية، تجلت في إجراء الرئيس عبدالفتاح السيسي، مباحثات مع عدد من قادة الدول الفاعلة على الساحة الدولية، تضمنت اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد خلاله دعم مصر لتفعيل إرادة الشعب الليبي في تحقيق الأمن والاستقرار لبلاده، وشدد على أهمية الدور الذي يقوم به الجيش الوطني الليبي في هذا السياق لمكافحة الإرهاب وتقويض نشاط التنظيمات والميليشيات المسلحة التي باتت تهدد الأمن الإقليمي بأسره.

كما أكد ضرورة وضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي، مشيرة إلى أن جهود «السيسي» شملت أيضًا التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتوافق معه على أهمية تكثيف الجهود المشتركة بين البلدين بهدف تسوية الأزمة الليبية، ومكافحة المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، إلى جانب العمل على وضع حد للتدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي، بالإضافة إلى تواصله مع جوزيبي كونتي، رئيس الوزراء الإيطالي، في ذات الشأن، وفى هذا السياق أوضح الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، أن «مذكرة التفاهم المبرمة مؤخرًا من قبل حكومة الوفاق وتركيا وخاصة ما يتعلق بالتعاون العسكري، تنتهك انتهاكًا سافرًا ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعد الدستور الأعلى لجميع الدول الأعضاء لمنظمة الأمم المتحدة الـ193 دولة»،وأضاف «سلامة»، أنه «قد داومت وتواترت التقارير الدورية للجنة الجزاءات الخاصة بليبيا، والتي تشكلت تلقائيا منذ صدور قرارات مجلس الأمن ذات الصلة عام 2011م، بمجرد اندلاع النزاع المسلح الداخلي في ليبيا، الذي يوصف بأنه نزاع مسلح مدول، على التأكد بأن تلك التقارير التي تصدرها اللجنة التي تضم في عضويتها خبراء تابعين لمجلس الأمن، أن تركيا تخرق الحظر الوارد منذ عام 2011م وحتى الآن بموجب الجزاءات التي فرضها مجلس الأمن على ليبيا طبقا للقرار 1970 الذي صدر عن مجلس الأمن في فبراير 2011».

كما أشار إلى أنه «من بين مشتملات القرار المختلفة التي أصدرتها اللجنة، الحظر على جميع الدول أعضاء مجلس الأمم المتحدة حظر توريد أسلحة لليبيا والغرض من القرار نزع فتيل الحرب وتهدئة الأوضاع وإعادة الاستقرار والأمن في ليبيا بدلا من تفاقم الأوضاع الأمنية المتدهورة، ولقد اعتاد مجلس الأمن على فرض الجزاءات العقابية ضد الدول التي تنتهك السلم والأمن الدوليين أو ترتكب جريمة العدوان على أي دولة من الدول أعضاء الأمم المتحدة، وبدأ في فرض تلك الجزاءات منذ الستينات من القرن الماضي».

وتابع: الدولة التي تنتهك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة في شأن الحالة الليبية تتعرض تلقائيًا لجزاءات مجلس الأمن أيضا بموجب الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وهو ما ينطبق على تركيا، كما أن المعاهدات الدولية التي تبرمها الدول، والأحكام القضائية الداخلية لها وتشريعاتها لوطنية وإجراءاتها التنفيذية الداخلية، لا يمكن أن تتحايل على قرارات مجلس الأمن الجزاءية، فقرارات مجلس الأمن تعد أعلى مراتب القانون الدولي ولا يجوز الاتفاق على خلافها أو انتهاكها كما الحال بالنسبة لتركيا في ليبيا، وكشف «سلامة» أن «قرارات مجلس الأمن التي تتضمن إجراءات عقابية كما هو في حالة ليبيا تعد في مرتبة القواعد الآمرة للقانون الدولي ذات الحجية المطلقة لجيمع الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة وحتى الدول غير الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة».

وعلى نفس الصعيد، أكد محمد حامد، الباحث في الشأن التركي، أن «البرلمان التركي في حالة غياب عن الانعقاد، ومن المقرر أن ينقعد في يوم 7 أو8 من شهر يناير، وإذا كانت تركيا على عجلة من أمرها في إرسال قواتها إلى ليبيا، فمن المقرر أن تدعو البرلمان إلى جلسة عاجلة للتوقيع على إرسال تلك القوات، في وقت تسجل قوات الجيش الوطني الليبي تقدم على الأرض في طرابلس»، وأكمل: من الممكن أن ننتظر مؤتمر برلين مع بداية العام المقبل والذي قد يشهد حلا سلميًا للأزمة الليبية، فتركيا ليست في عجلة من أمرها في إرسال قوات تركية إلى ليبيا، مع الأخذ في الاعتبار أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذهب إلى تونس لدعم خطته، لكنه عاد خائبًا، وتونس أعلنت أن موقفها محايدًا من ذلك الصراع ولن تصطف مع هذا أو ذلك، وأكد أن القوات التي سيرسلها أردوغان ليست قوات الجيش التركي، وإنما من المقرر أن يرسل قوات مرتزقة من شركات خاصة سواء من الجنسية التركية أو من جنسيات أخرى، ولفت إلى أن «مؤتمر برلين يمثل مفتاح القضية، وفي حال توفرت إرادة دولية لحل الأزمة الليبية وتم التأكيد على ألا يكون الشعب الليبي ضحية ذلك الصراع، سيكون الجلوس على مائدة التفاوض مهم لكلا الطرفين»، كما أوضح أن «ليبيا ستتحول إلى جحيم في حال دخول تركيا إلى هناك، لا سيما وأنه تدخل ليس من أجل حماية الشعب الليبي كما تدعي، وإنما من أجل حماية الحكومة التي وقعت معها اتفاق ترسيم الحدود البحرية»، وعن رؤيته للموقف المصرى، قال «حامد»: مصر أرسلت رسائل عديدة حول أن التدخل التركي في ليبيا على غرار سوريا سيواجه برد حاسم من القوات المصرية بشكل لن يتخيله أحد، بما يجعل خيار التفاوض السياسي والمباحثات أفضل من خيار الحرب.

من جهته، قال السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق: هناك تهديدات تركية بالتدخل في مسرح العمليات الليبي وتحقيق مساندة مباشرة لحكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج والتنظيمات المتطرفة التي تساند هذه الحكومة، ولكي تبرر تركيا وتشرع تدخلها في المسرح الليبي، وقعت مذكرتي التفاهم مع حكومة الوفاق، وبناء عليه انطلقت دعوة من رئيس تلك الحكومة لتركيا بالتدخل ومساندتها عسكريًا، وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن «الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلوح بالتدخل في ليبيا والبرلمان التركي وافق على اتفاقيتي التفاهم مع السراج، ولكن ما إذا كان سينفذ تهديداته أم لا فتلك المسألة هو صاحب القرار الأخير فيها»، مشيرًا إلى أنه «هناك ضغوط أوروبية عليه لكي لا ينفذ تهديداته، ولكن لا يبدو أن تلك الضغوط قوية، وتمثلت تلك الضغوط في إعلان البعض منع توريد السلاح له، والإدانة من جانب البعض الآخر، وربما يذهب الجميع لمجلس الأمن إذا نفذ تهديداته».

 وتابع: هناك مساع دبلوماسية لتأخير تدخله في المسرح الليبي، وهناك قوتان فاعلتان في أوروبا هما فرنسا وإيطاليا، وبالنسبة للأولى فإن لها موقفا مختلفا عن إيطاليا، حيث تتخذ موقفًا حذرًا للغاية من حكومة الوفاق، ولا أتصور أن الدول الأوروبية أو الآلية الأممية يمكنها أثناء أردوغان عن تدخله في ليبيا، وبالتالي الشيء الوحيد القادر على إيقاف تدخله، أن يكون هناك تدخل مصري مضاد له، وربما يطلق مجلس الأمن إدانة لتدخله، ولكنه قد يعيد نفس سيناريو تدخله في شمال غرب سوريا عندما لم يستطع أحد إثنائه، وإنما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحتوائه ونظم له دخوله إلى سوريا جنبا إلى جنب مع الشرطة العسكرية الروسية، ولفت «القويسني» إلى أن صلابة الموقف المصري وشدة عزيمته وتأكيد قدرته على التدخل المناوئ في ليبيا يمكنه أن يمنع التدخل التركي، مؤكدًا أن الجانب التركي إذا أيقن أنه في حال قيامه بالتدخل العسكري في ليبيا فإنه قد يقابل بمواجهة مع القوات المسلحة المصري، فإن ذلك قد يجعله يعيد التفكير في المسألة بشكل كبير.

وتابع : تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي كانت معلنة وواضحة في ذات الشأن، وتحدث عن مشروعية التدخل المصري، بالإضافة إلى أنه يقوم بحملة دبلوماسية رئاسية خاطب خلالها رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويبذل مساعي دولية لشرح الموقف المصري، وأهمية المسرح الليبي بالنسبة لللأمن القومي المصري، والتأكيد على أنه إذا كان لا بد من تدخل، فالجانب المصري الأولى بالتدخل، وأنه يسعى إلى مصالحة (ليبية- ليبية) ويحارب المنظمات الإرهابية التي أخذت حكومة الوفاق كرهينة لها.

نقلا عن العدد الورقي 

الجريدة الرسمية