رئيس التحرير
عصام كامل

تركيا «المصنف 101» فى حريات الرأى.. أنقرة تعيش مأزقًا فى حرية التعبير.. قانون الإرهاب «سيف مسنون» على رقاب الصحفيين.. 4139 تحقيقًا مع صحفيين فى قضية «إيرجينيكون»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تعد تركيا إحدى الدول التي تصنف على أنها مقيدة لحرية الرأي والتعبير، حتى إنها تعتبر المصنف رقم 101 في حق التعبير على مستوى العالم، فيما قالت منظمة حقوق الإنسان والحريات العامة "فريدوم هاوس"، إن حرية الإعلام في تركيا تعيش مأزقًا حقيقيًا.


وباتت تركيا من بين الدول التي تعاني تضييقا حقيقيا في حريات الصحافة والإعلام، وخلال مؤتمر عقد في واشنطن تحت عنوان "حرية الإعلام 2011: بحوث حريات الإعلام العالمية"، أعلنت قائمة بعدد من الدول التي تعيش حالة سيئة في حريات الإعلام، وكان ترتيب تركيا الـ112 من بين 196 حاصلة على 54 نقطة حسب تقييم المنظمة.

هنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا تعيش "نصف حرية" في الرأي العام والإعلام، وكان ترتيب تركيا في المركز الأخير من بين دول الاتحاد الأوربي في حرية الرأي والإعلام، حسبما أعلنت المنظمة في تقريرها، حيث تضمن تقرير المنظمة الذي شمل دول أوربا الغربية انخفاضًا حادًا في المعدل العام لحرية الرأي في المنطقة جراء التطورات السلبية التي حدثت في كل من الدنمارك وايسلندا وتركيا".

وحول ما تعرضت له حرية التعبير من تضييق، ووسط النقاشات المتواصلة حول ما تعرضت له حرية التعبير من تضييق في تركيا نتيجة المخاوف من استغلال بعض القوانين في الدولة لوضع أي شخص في السجن، خاصة الصحفيين.

كان سعد الله إرغن، وزير العدل التركي قد أعلن عن حزمة إصلاحات قضائية جديدة، تقدم إلى جانب الكثير من الأمور الأخرى، بعض التغييرات التي يكون لها تأثير على حرية الصحافة والتعبير في البلاد، حيث يتم وقف الغرامات والتحقيقات والمحاكمات والملاحقات والأحكام القضائية التي تصل إلى السجن خمس سنوات المفروضة على الصحفيين إذا ما تمت الموافقة على هذه التعديلات، ما لم يكرر الصحفيون المشتبه بهم الجريمة مرة أخرى خلال ثلاث سنوات ويتم إلغاء سجلهم الجنائي، وإذا تكررت نفس الجريمة خلال ثلاث سنوات يتم فرض العقوبة أو يتواصل التحقيق من حيث تم تعليقه.

وكانت هناك فقرة في قانون مكافحة الإرهاب، الذي يجيز للمحكمة وقف نشر الصحف لفترة تصل إلى شهر، بينما تحتوى التعديلات الجديدة على بعض التطورات الإيجابية قصيرة المدى بالنسبة للصحفيين، لكنها تفتقر إلى التغيرات الجوهرية التي تيسر من قضايا حرية التعبير التي تواجه الصحفيين- حسبما قال دينيز إرغوريل - من ميديا أسوسيشن، مطالبًا بإعادة ترتيب القانون الجنائي التركي وبنود قانون مكافحة الإرهاب المتعلقة بالصحفيين بصورة ديمقراطية.

ويرى غالبية المحافظين، أن بعض بنود القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب هي الجاني في أغلب القضايا التي يواجهها الصحفيون، فتقرير شبكة الاتصالات المستقلة وتقرير مراقبة وسائل الإعلام يشير إلى أن الصحفيين يواجهون- نتيجة بعض مواد القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب- تحقيقات تتعلق بالاتصال بمنظمات غير شرعية، ربما تكون مسلحة وغير مسلحة.

وخلال العامين الأخيرين كان غالبية من تعرضوا للسجن من الصحفيين قد اتهموا بانتمائهم إلى منظمة إرهابية، واستند المدعون العامون في إثبات هذه الصلات بناءً على تعريف واسع للإرهاب في كلا القانونين، وكان وصف الحكومة للصحفيين المسجونين بالقتلة ومرتكبي جرائم الاعتداء.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ذكر في أحد خطاباته أنه "تم القبض على الصحفيين بناءً على خلفية حيازتهم أسلحة نارية أو متفجرات، ووثائق مزورة، والقيام بأعمال التحرش الجنسي أو المشاركة في محاولات إرهاب أو انقلاب" والغريب أن رئيس الوزراء قال إن الدول في الغرب لم تكن قادرة على فهم تركيا لأنها لم تواجه صحفيين يحرضون على القيام بانقلاب عسكري".

وأشار مراقبون إلى أن حرية الصحافة في تركيا بدأت تحظى بنقاشات موسعة في الغرب، وتحديدًا في أعقاب القضايا التي شنها صحفيون في أعقاب قضية إيرجينيكون (شبكة مبهمة من البيروقراطيين المدنيين والعسكريين)، إضافة إلى عصابات إجرامية يعتقد أنها تآمرت للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

هذه القضايا انطلقت بشكل خاص فيما يتعلق ببنود حزب العدالة والتنمية بشأن خرق السرية ومحاولة التأثير على المحاكمات العادلة- حسب أورهان كمال تنغيز، المحامي والناشط الحقوقي - وأن معظم هذه القضايا كانت تشن ضد صحفيين، كانوا معروفين بولائهم لحكومة حزب العدالة والتنمية، قبل التحقيقات في قضية إيرجينيكون، التي فتحت في عام 2008.

أما تقارير وزارة العدل التركية في الفترة من نوفمبر 2009، فتؤكد أنهم أجروا 4139 تحقيقًا مع صحفيين تتعلق بقضية إيرجينيكون، منها 2500 قضية نظرها القضاء، وأن هؤلاء الصحفيين خضعوا للتحقيقات بموجب نص المواد 285 و288 و125 من قانون الجنايات، بشأن خرق السرية ومحاولات التأثير على المحاكمات العادلة والتشهير، لم يتعرضوا للسجن.

لكن هناك بعض الصحفيين القلائل، الذين اعتقلوا كانوا في انتظار المحاكمة بشأن قصية إيرجينيكون، وهم متهمون بالعضوية في منظمة إيرجينيكون الإرهابية.

وهناك أيضا ثمانية صحفيين من قناة «أودا تي في» معتقلون كانوا في انتظار المحاكمة فيما يتعلق بقضية إيرجينيكون، ويزعم الادعاء أن هؤلاء المشتبه بهم يستخدمون موقع قناة "أودا تي في" للتأثير على سير المحاكمة.

وأشار تقرير "بيا" أدرج قائمة بأسماء الصحفيين الذين سجنوا، وتعرض 104 صحفي و30 موزعًا وعاملًا في وسائل الإعلام للسجن بنهاية عام 2011، وستة صحفيين فقط من بين 104 وجهت إليهم اتهامات، وخضعوا للمحاكمة بشكل مباشر بما كتبوه من أخبار وكتب في قضايا جنائية ضدهم، وكل الصحافيين والعاملين في الإعلام الذين دخلوا السجن نتيجة المزاعم بالانتماء إلى منظمة غير شرعية في إطار القانونين الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب.

ويذكر التقرير أن 64 من بين 100 صحفي و30 موزعًا للصحف من المنافذ الإعلامية الكردية، و27 من 104 صحفيين أدينوا، وكان 34 صحفيًا في انتظار المحاكمات.

وقد أشار الكاتب والصحفي التركي حسن كمال، في عمود صحفى له فبراير الماضى إلى أنه في النصف الأول من التسعينيات سجن ما يقرب من 100 شخص معظمهم من الصحفيين الأكراد بموجب قانون مكافحة الإرهاب.

وكتب في صحيفة "ميليت" اليومية: "كان الصحفيون الأكراد يتعرضون للاغتيال في عمليات قضائية متعسفة في جنوب شرقي البلاد في ذلك الوقت، وفيما يتعلق بالحريات فإن الموقف في تلك الأيام لم يكن أفضل حالًا، كما هو الحال اليوم فهي مستقاة من قانون مكافحة الإرهاب".

وجاء في دراسة للشبكة العربية لحقوق الإنسان أن هناك دائما عددا من القضايا الحساسة التي لا تتحمل الدول التسامح معها، في مثل هذه القضايا تقوم تلك الدول بتبرير انتهاك الحقوق بادعاءات متعلقة "بالأمن القومي"، أو "النظام العام"، وتركيا في كثير من الأحيان تكون حساسة للغاية بشأن الأقليات العرقية خاصة الأكراد، فهناك عدد من القضايا المرفوعة ضد تركيا في المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، ويدعي المتقدمون بالقضايا انتهاك الدولة لحرية التعبير المكفولة بالمادة 10 من الاتفاقية الأوربية.

الجزء الأكبر من القضايا التركية تتعلق بالمشكلة الكردية، ففي قضية "أليناك ضد تركيا"، كتب مقدم الدعوى رواية تقوم على الأحداث الحقيقية التي وقعت في قرية تركية، وتعرض خلالها القرويون الأكراد للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي قوات الأمن التركية، وتمت مصادرة الرواية من قبل المدعي العام الذي قال إنها تحوي "تشجيعًا على الكراهية والعداء من خلال التمييز بين المواطنين الأتراك، انطلاقا من خلفيات عرقية أو إقليمية، وعلاوة على ذلك، تمت إدانة السيد أليناك بموجب قانون مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى قضيتين أخريين.

ورأت المحكمة الأوربية في الحالات الثلاث من تركيا، أن هناك انتهاكا للمادة 10 من الاتفاقية الأوربية، وأن تدخلات تركيا في الحق في حرية التعبير أمر غير مقبول على الرغم من كونها جاءت لهدف مشروع. في رأي الحكومة فإن رواية المدعي الأول بها "إهانة لقوات الأمن، وكان بمقدورها وضع الشعب في مواجهة مع الأمن" وأنه تمت مصادرة الرواية "لمنع الفوضى والجريمة.

كما كان التبرير الرئيسي للمحكمة الأوربية في هذه القضايا الثلاث هو أنه على الرغم من أن تركيا قد تدخلت لهدف مشروع- نظرا لحساسية الوضع في الجنوب الشرقي- إلا أن ذلك التدخل لم يكن ضروريًا في مجتمع ديمقراطي، وكان غير متناسبًا مع الأهداف المنشودة. وبالإضافة إلى ذلك، قالت المحكمة إن السلطات لم تعط وزنًا كافيًا لحق الجمهور في الحصول على معلومات من منظور مختلف عن الوضع في جنوب- شرق تركيا- حتى لو كان هذا المنظور غير متوافق مع رؤية الحكومة .
الجريدة الرسمية