رئيس التحرير
عصام كامل

أين هو الرئيس الفنان ؟


فيضان من المشاكل الجسيمة أغرقت مصر بالكامل وماكِدنا أن نلتقط أنفاسنا حتى نستطيع العوم إلا ونواجه بعاصفة أخرى تأخذنا إلى القاع وأصبحنا جميعًا في بحور الموت نتصارع لا من أجل النجاة ولكن لكى نـُغرق بعضنا البعض، غير مدركين أننا بهذا السلوك غرقى لامحالة ولن ينجوا منا أحد ولو كان من أبطال السباحة.

يُذكِرُنى الحال في مصر بمناطق كانت من أرقى المناطق وكان يقطنها صفوة المجتمع وأثرياؤها وهى حلمية الزيتون وعندما بدأ غزو الحرافيش إلى تلك المناطق هجر أصحابها قصورهم وفلاتهم إلى مناطق أخرى وتحولت الشوارع من شوارع كانت تحفُها الأشجار على الجانبين بأشكالها الجميلة إلى القبح بكل أوصافه إذًا فالمشكلة ليست بناء ولكنها سلوك.

وسأعطيك مثلاً آخر لصديق أبى قد جار عليه الزمن فأصبح من ساكنى الأسطح بعد أن كان من أصحاب القصور وهذا بعد التأميم الذي أتى به جمال عبد الناصر بعد ثورة 23 يوليو.

ذهب أبى ليزوره في هذا السطح الرث المتهالك القذر الذي أُعد ليكون مكانًا لتجميع كراكيب ومخلفات العمارة بكل أنواعها فوجده حديقة بها عديد من النباتات بمقاسات مختلفة تراصت بتناسق وتناغم يعطيك انطباعًا بأنك في حديقة بمنتزه بباريس فقد نقل المخلفات من أركان السطح المتناثرة عشوائيًا ووضعها جانبًا وسد عليها بحاجز خشبى استغله من المخلفات التي كانت موجودة من ضمن الكراكيب بحيث من يدخل إلى السطح لا يرى غير الورود بجميع ألوانها والأشجار والنباتات بتنسيقها الجمالى.

هذا لمدخل العش الذي كان يسكنه إنما حينما دخل أبى إلى العش من الداخل وجده كأنه جزء من قصر بالرغم من تواضع أثاثه وحتى العش كان بناؤه من الخشب وكان مُعَدًا لتربية الدواجن فقد قام بدهانه وجعله وكأنه يبدو كلوحة رُسِمت من خيال فنان لدرجة أن معظم سكان العمارة التي بها هذا السطح كانوا يختلقون الفرص لصداقة هذا الرجل حتى يفوزوا بزيارته لينعموا قليلاً بنزهة في حديقة داخل منتزه على بُعد بضع سلالم من منزلهم.

فالمسألة ليست مكانًا ياسادة المسألة أشخاص وثقافة وتربية وسلوك. 

فإذا أردنا نهضة البلد فلنبحث أولًا عن الفنان بداخل الرئيس فإن لم تجده فلا تبذل الجهد في البحث عن شىء آخر. فالرئيس الفنان هو الوحيد من يستطيع أن ينهض بك إلى عالم التقدم والجمال وهو الوحيد الذي بيده تغيير سلوك الشعب وتوحيد صفوفه إلى عالم التقدم والرقى.

الرئيس الفنان هو الوحيد القادر على جذب قلوب أبناء شعبه إليه فيصبح زعيمًا، الرئيس الفنان كل مايهتم به في حياته هو أن يدخل التاريخ بعمل فنى يمجده في حياته وبعد مماته والعمل الفنى هو خلق الجمال من القبح ثم تحويل الجمال إلى إبداع.هذا هو طريق الرئيس الفنان وهذا هو فكره.
هو الوحيد القادر على استشعار الخطر قبل معطيات حدوثة. الرئيس الفنان هو من يتقاسم الألم مع المحرومين والضعفاء.

الفنان هو من أذكى الأشخاص وأقواهم وأرقاهم إحساسًا وتعبيرًا عن مشاكل ومعاناة الآخرين.

سيأتى من يقول أتريد أن يحكمنا راقص أو مهرج أو ممثل أو بهلوان ومع احترامى الشديد لتلك المهن الفنية أقول ولما لا... ولكن الفنان ليس في تلك المهن الفنية فقط أو من يمتهن هذه المهن. الرئيس الفنان هو قائد الأوركسترا هو المخرج وهو المبدع الذي جُمعت بداخله جميع الخبرات الإنسانية وله المقدرة على التوزيع الجيد للأدوار وبذلك فهو يمتلك كل مقومات رجل النهضة وهو رجل تصدقه الجماهير وتسير وراءه حاملين في أيديهم مشاعل النهضة وبذلك تكون النهضة هى فعلاً إرادة الشعب ولكن أين هو الرئيس الفنان؟

الجريدة الرسمية