عيون وآذان (درس للإسلاميين العرب)
تركيا اليوم تعطي دروسًا للحكام من الإسلاميين العرب الذين ينامون على حرير الغفلة.
قبل أسبوعين كنت مع زملاء عرب في تركيا، زرت "أنقرة وإسطنبول"، وسمعت أركان الحكم يتحدثون عن سياسة حزب "العدالة والتنمية" وطموحاته.
كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يمشي ملكًا، اليوم يمشي "أردوغان" قلقًا، وربما يصلي صلاة الخوف، فقد انفجرت في وجه حكمه تظاهرات شعبية في "إسطنبول وأنقرة وأزمير وبودروم".. وغيرها.
أريد قبل أن أكمل أن أسجل أن الحزب الحاكم في تركيا فاز ثلاث مرات بانتخابات نزيهة، وحقق إنجازًا غير مسبوق في عشر سنوات شهدت نمو الاقتصاد مائة في المائة، وزيادة دخل الفرد من ثلاثة آلاف دولار في السنة إلى 11 ألف دولار، فتركيا تنعم بفورة اقتصادية استفاد منها الشعب كله، وهي نجت من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
كل ما سبق لم يشفع لـ"أردوغان" وحزبه، فالحكومة وافقت على هدم حديقة "غازي" قرب ميدان "تقسيم" في قلب "إسطنبول" لبناء مجمع تجاري، واحتج على ذلك أنصار البيئة، فاعتصموا وتظاهروا، وكان أن ردت عليهم الحكومة بعنف غير مبرر، فاستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع الماء، وكان أن انتشرت الاحتجاجات كالنار في الهشيم، وضاعت إنجازات حزب "العدالة والتنمية" إزاء ما رأى المتظاهرون أنه حكم فردي (لم يقل أحد إنه ديكتاتوري) يتخذ قراراته في غرف مغلقة ولا يستشير الناس.
الآن أقارن مع حكم الإخوان المسلمين في مصر، والرئيس محمد مرسي يحتفل هذا الشهر بمرور سنة على رئاسته،
فالإسلاميون في مصر لم يحققوا شيئًا على الإطلاق من وعودهم، وإنما فعلوا ما هو أسوأ، فكل مشكلة حقيقية أو وهمية ورثوها عن حكم حسني مبارك صارت أسوأ، وأكتفي بالاقتصاد والأمن مثلين صارخين على الفشل، وبعض أهم قرارات الرئيس أَعلنت المحاكم عدم قانونيتها، والنظام في حرب مكشوفة مع القضاء ويحاول "أخونته"، مع البلاد كلها.
فالإسلاميون في مصر لم يحققوا شيئًا على الإطلاق من وعودهم، وإنما فعلوا ما هو أسوأ، فكل مشكلة حقيقية أو وهمية ورثوها عن حكم حسني مبارك صارت أسوأ، وأكتفي بالاقتصاد والأمن مثلين صارخين على الفشل، وبعض أهم قرارات الرئيس أَعلنت المحاكم عدم قانونيتها، والنظام في حرب مكشوفة مع القضاء ويحاول "أخونته"، مع البلاد كلها.
الحزب التركي الذي حقق معجزة يثور عليه الناس لسبب تافه، والحزب الذي لم يحقق شيئًا ماضٍ في طريق تحدي نصف الشعب الذي لم ينتخبه، وتحدي القضاء معه.
هل تفهم الجماعة في مصر أو تونس أو ليبيا معنى الدرس التركي؟!
توقفت أمام مقارنات، فالنائب عن حزب العدالة والتنمية "سيري أونال" قال على «تويتر» بعد استعمال الشرطة الغاز ضد المتظاهرين:" إن بعض الناس بحاجة إلى غاز"، وهو ذكرني بنجم "الحزب الوطني" في مصر أحمد عز، الذي فاخر بالانتصار في الانتخابات البرلمانية المزورة في مصر سنة 2010.
والبرلمان الذي يسيطر عليه حزب "العدالة والتنمية" في تركيا أصدر قانونًا يحد من بيع الخمر وتعاطيها في البارات، وهذا مع العلم أن 83% من الأتراك لا يتعاطون الخمر أصلًا، وأن استهلاكه هو الأقل في أوربا كلها، ويبقى على قلته مبالغًا فيه جدًا، لأن الأرقام تشمل ما يشرب السياح الأجانب في تركيا من خمر.
وهذا يذكرني بتكسير متاجر بيع الكحول والبارات في تونس حيث السائح الفرنسي أو الألماني أو الإيطالي سيفكر مرتين قبل زيارة بلد لا يستطيع أن يشرب فيه النبيذ مع طعامه، ربنا يحاسب هذا السائح، لا السلفيون التونسيون.
أهم من كل ما سبق، درس الجيش، فالحكومة التركية استعانت بقوات عسكرية لمساندة الشرطة ضد المتظاهرين، وقرأت أن الجيش لم يساعد الشرطة وإنما أبدى تعاطفًا مع المتظاهرين، هل ينتظر الجيش في هذا البلد العربي أو ذاك أن يصل فشل الإسلاميين في الحكم حدًا يرحب معه الشعب بانقلاب عسكري لإنقاذ البلاد من "منقذيها".
رجب طيب أردوغان ذكرني ببعض الحكام العرب في كل بلد وهو يصف التظاهرات بأنها "مؤامرة"، لا مؤامرة في تركيا أو بلادنا، وإنما حراك شعبي، غير أن "أردوغان" يظل أذكى من الذين ابتلينا بهم، فهو اعترف بأن الشرطة استعملت عنفًا غير مبرر ضد المتظاهرين، ولم يقل أن المتظاهرين اعتدوا على الشرطة، كما أنه لم يتهم "الميديا" بالمبالغة في تغطية التظاهرات، وإنما حاول استمالتها إلى جانبه، كما أنه لم يهاجم القضاء ولا يمكن أن يفعل.
إذا كان الناجح التركي يواجه تحديات لحكمه، فماذا يواجه الفاشلون العرب؟! لا أعتقد أنهم يعون أهمية الدرس التركي، فلو أن عندهم الوعي ما فشلوا إلى هذه الدرجة المخزية، وأراهم سيدفعون الثمن..!