إحسان عبد القدوس يكتب: أيام شبابى
فى كتابه "أيام شبابى "الذى اصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب يحكى الكاتب الاديب احسان عبد القدوس (ولد فى مثل هذا اليوم الاول من يناير 1919)ذكرياته فيقول: أحب ما أعتز به هو أن لى دائما قراء فى سن الصبا ، السن التى تتأرجح بين العاشرة والعشرين ، وكل جيل منهم يكبر ويصبح جيل زوجات وأمهات وآباء .
وكلما التقيت بأحد افراد الجيل الذى كبر اجده لا يحدثنى عما يقرأه لى الان بل عما كان يقرأه لى فى صباه ، وكأن ماقرأه جزء من ذكرياته التى لا ينساها ، وعنصر من العناصر التى أقام عليها شخصيته وتكوينه الفكرى . ها وأناديهم ..ابنى ..ابنتى ..وهو ما تعترض عليه زوجتى الان لأن بناتى الان أمهات من أحفاد . وبين ابنائى رجال يخطون نحو سن المعاش ..لكن زوجتى تعذرنى عندما تقدر اعتزازى بأن أكون أبا فكريا وروحيا لأجيال بعضها يجمعنى بها نفس الجيل وبعضها أجيال جاءت بعدى . والاب ينجح بنجاح اولاده ،وأنا أفرح عندما ألتقى بزوجة ناجحة وأم ناجحة تحدثنى عما كانت تقرأه لى قبل ان تتزوج وقبل ان تصبح أما ، وتروى لى ضاحكة كيف كانت تشترى روز اليوسف من مصروفها الخاص وتقرأها سرا حتى لا يضبطها أبوها أو أمها . كان الجيل العتيق يحرم قراءة روز اليوسف على الاولاد والبنات حتى لايعيشوا مع فكرى ويتأثروا به ..لكن سنة التقدم والتطور هى دائما أقوى من أن يصدها القدامى المتجمدون ، وكنت دائما مطمئنا الى أنى سأصل الى قرائى حتى عندما تشتدالحملات ضدى وضد ما أكتبه . وقد سألت قارئتى التى أصبحت زوجة وأم :هل تسمحين لأولادك وبناتك الان بأن يقرأو لى ؟ فقالت فرحة :طبعا انك لا تدرى ماذا أعطيتنى ..لقد أعطيتنى صورا كاملة صريحة من الحياة حتى أختار بينها ،وبذلك أغنيتنى عن أن أعرض نفسى للتجارب ، علمتنى التجربة قبل أن أخوضها وأعرض نفسى لتحمل فشلها ..لذلك لم أفشل أبدا ولا أريد لبناتى وأولادى الفشل ، ولا أريد أن يقرأوك سرا كما كنت أفعل بعيدا عن أمى وأبى . وليس معنى هذا ان كل قرائى قراء قصص وخواطر اجتماعية ..فقد كان فكرى السياسى أيضا يعتبر محرما وهو فكر كان يرتفع عن الواقع فى سبيل التطلع الى المستقبل لذلك كان مرفوضا ..فقد تعرضت للكثير بسبب فكرى ، سجنت ثلاث مرات وتعرضت للاغتيال اربع مرات
إحسان عبد القدوس يكتب: فنان صاحب مزاج خاص والتقى بالقراء السياسيين كما التقى بقراء الادب واشعر نحوهم بنفس المسئولية ..مسئولية الاب الفكرى وان كانت اخوة فكرية لا ابوة .ثم يحدث ان يصل احدهم الى منصب سياسى فيحدث نوع من التباعد بيننا . ان فكرى السياسى لم يتغير ربما لان كل ما اقتنعت به سياسيا فى شبابى وعشت مقتنعا به لم يتحقق حتى اليوم ، وبعد ان تتحقق الاحلام يبدأ الفكر فى البحث عن احلام جديدة .