رئيس التحرير
عصام كامل

إدارة الثقافة ما بين الأرمن والعرب (2)


أرمينيا تمتلك تراثا حضاريا وثقافيا هائلا، يكاد تتفوق به على كل شعوب الأناضول، كل شوارعها تعبر عن ذلك الإرث الحضاري والثقافي، واستطاعت بحسن إدارتها للثقافة، واعتزازها بحضارتها وثقافاتها وهويتها أن تقدم نموذجًا فريدًا في كيفية الحماية والمحافظة على التراث على الجانبين المادي وغير المادي.


على الجانب الآخر لم تستطع الدول العربية وبالتحديد مصر - بما تملكه من تراث حضاري وثقافي ليس له مثيل بالعالم- أن تقدم نموذجًا ثقافيًا يعبر عن هذه الثقافة، وعن المبادرات التي قدمت ذهبت مع الريح لأنها لم ترتكز على الإرث الحضاري والثقافي المصري الذي يعبر عنها.
إذا أردت أن ترى ذلك الفارق في كيفية التعبير عن الثقافة، فبإمكانك أن تحس وتلمس بكل سهولة كيف أن كل شيء بشوارع أرمينيا يعبر عن عمق تلك الثقافة، وبإمكانك أن تجرب ذلك بنفسك سيرًا على الأقدام في شوارع العاصمة الأرمينية يريفان تلك المدينة الصغيرة الساحرة التي تحيط بها المرتفعات من كل اتجاه، وتعج بالمتاحف والمسارح والمكتبات والكنائس الأثرية، ويعبر كل ما فيه عن عمق الثقافة الأرمينية، حيث تضم المدينة 17 متحفا و16 مسرحا ودارًا للمخطوطات ودارا للأوبرا و7 مكتبات، و17 مركزا ثقافيا.
البداية في شارع ماشتوتس بوسط العاصمة وبالتحديد في ماتيناداران أو دار المخطوطات الأرمينية ذلك البناء البازلتى الضخم، القائم رايبة في نهاية الشارع، والتي تستخدم أحدث أساليب الحفظ والأرشفة والفهرسة، وتضم بداخلها ما يقرب 17000 مخطوطة و3000 آلاف وثيقة من بينهم نحو 600 مخطوطة باللغة العربية، وتعود بعض المخطوطات إلى العصور القديمة وباللغات العربية والفارسية والسريانية واليونانية واللاتينية واليابانية والهندية، في ميادين التاريخ والفلسفة والحقوق والطب والرياضيات والفلك والأدب والفنون.
ومن ماتيناداران سيرًا على الأقدم وفى أقل من عشر دقائق تصل إلى ساحة الكسكادا ذلك المتحف المفتوح المقام على مرتفع جبالي وبشكل مدرج، جمع معظم مقتنياته أحد أبناء أرمينيا بأمريكا وقدمها كهدية لدولته وتعهد ببنائه وجمع به تحف ومقتنيات فنية نادرة من كافة أنحاء العالم، ومن أعلى الكسكادا تستطيع أن ترى بسهولة جبل آرارات يكسوه الثلوج ليشكل خلفية فنية لصورة رائعة ليريفان الجميلة.
وبمجرد أن تعبر الشارع من الكسكادا تصل إلى ساحة دار الأوبرا، وقبل الدخول بإمكانك أن تلقى نظرة على شارع لا تكسر به إشارة مرور، ولا يعبر مواطن الطريق إلا من المكان المحدد له ولا تسمع صوتًا لآلة تنبيه من أي سيارة، وكان كل شيءَ، وفق ما أعد له سلفًا.. بصعوبة حصلت على تذكرة لحفل أوركسترا سيمفوني، وبداخل الأوبرا - ذلك المبنى العتيق الذي بني في ثلاثينيات القرن الماضي - تتعرف على شغف الشعب الأرميني بالموسيقى والفنون فبالكاد تستطيع أن تلمح كرسيًا شاغرًا، وبعد ما يقرب من ساعتين انتهى ذلك الحفل الممتع.
وللقصة بقية.......

الجريدة الرسمية