الدكتور محمد سيد طنطاوي يكتب : فضيلة العفاف
تعددت فضائل الخلق التى يجب أن يتحلى بها المسلم، ومن هذه الفضائل يتحدث فضيلة الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوى ــ رحمه الله ـــ عن فضية العفاف فكتب يقول: مدح القرآن الكريم الذين يتحلون بخلق العفاف فى مواطن متعددة منها قوله تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا".
أى اجعلوا نفقتكم وصدقتكم ــ أيها المؤمنون ــ لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات وعلى الجهاد فى سبيل الله، والذين لم يستطيعوا الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم، والذين من صفاتهم أنهم إذا نظر إليهم الجاهل بأحوالهم يظنهم أغنياء لشدة تعففهم عن سؤال غيرهم.
لكن صاحب الفراسة والنظرة الثاقبة السديدة بمجرد رؤيتهم يعرف أنهم فى حاجة إلى العون والمساعدة إذ إنهم لا يطلبوا العون سوى من الخالق - سبحانه وتعالى - فى هذه الآية مدح عظيم لأصحاب تلك النفوس العالية التى تعتز بكرامتها وإنسانيتها وتتعفف عن سؤال الناس.
وجاء الحديث عن فضيلة العفاف مرتين فى سورة النور المرة الأولى فى قوله تعالى: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ" أى وعلى المؤمنين والمؤمنات الذين لا يجدون الوسائل والأسباب التى توصلهم إلى الزواج بسبب ضيق ذات اليد عليهم أن يتحصنوا بالعفاف وأن يصونوا انفسهم عن الفواحش، وأن يستمروا على ذلك حتى يرزقهم اللهمن فضله رزقا يستعينون به على إتمام الزواج . أما الثانية ففى قوله سبحانه: "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".. والقواعد هن النساء اللاتى تقدمن فى السن ولا رغبة لهن فى الزواج أن يتخففن من ملابسهن مما يؤدى إلى إظهار شيء من جسدهن، ومن الأفضل لهن أن يلزمن العفاف بأن يبقين ثيابهن التى تتميز بالاحتشام والوقار، فذلك أطهر لقلوبهن وأبعد للتهمة وأنقى لسوء الظن، وسمى الله - تعالى - إبقاء ثيابهن عليهن استعفافا.. أى طلبا للعفة، فهل رأيت دعوة إلى العفاف والطهارة أحكم وأوضح من هذه الدعوة الربانية.
حكم الشرع فى تغيير المرأة ملابسها في غير بيتها
والرسول - عليه الصلاة والسلام - مدح المتعففين عن سؤال الناس فى أحاديث متعدة منها قوله "لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ علَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمةُ واللُّقْمتَان، ... الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرةُ وَالتَّمْرتَانِ، وَلا اللُّقْمةُ واللُّقْمتانِ إِنَّمَا المِسْكِينُ الذي يتَعَفَّفُ"، وقال أيضا "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ”، وقد أمر النبى - عليه الصلاة والسلام - أتباعه بغض البصر واجتناب كل ما يثير الشهوات المحرمة وبالعفاف الذى يحمى المسلم من كل علاقة سيئة بين الرجال والنساء فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ، مَنْ تَرَكَهَا من مَخَافَتِي أَبْدَلْتُهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ".