الكفيفُ.. الذي أتى بما لم تستطعه الأوائلُ
وفي توقف تأملي يرى الفنان التشكيلى المغربى عبد اللطيف الزكري لوحة «غروب» لمواطنه الفنان التشكيلى الكفيف إسماعيل المسعودى.. بمنظار جديد، إذ إن هذه اللوحة تستجمع عناصر عدة، فقرص الشمس بلونه الأبيض الخفيف وضوء الشمس بلونه القرمزي الفاتح، وجذوع الشجرة بلونها الأسود الخفيف، والغصنان كأنهما راحة اليد بلونهما الأسود، والأرض بلونها الأبيض الكثيف.. كل هذه الألوان؛ تخلف انطباعا لدى الرائي بأنه يرى غروبا حقيقيا مشخصا، كأنه التقط بآلة فوتوغرافية، ولم يرسم باليد.. وأي يد؟، إنها يد فنان ضرير، لكنه عبقري يرى الجمال بذهنه، فيوصله إلى المتلقي طازجا شفافا».
ويتابع: «أما الولع بالبحر.. فيرسمه بألوانه المختلفة «الخضراء والبيضاء والزرقاء»، يرسم مركبا صغيرا يمخر عباب البحر، فيلتقط تفاصيل عبوره فوق الماء، وما يحدثه ذلك العبور من أثر على شكل الماء من حوله.. وهو يرسمه في أكثر من لوحة، كل مرة في حال معينة في جو البحر.. في سكونه وهيجانه".. كما أن هناك لوحة تجريدية تزدان بيت أبي العلاء المعري.. رفيق الدرب في معاناة الرؤية.. ذلك البيت هو:
وإني وإن كنتُ الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائلُ
وهي لوحة دالة في مساره الإبداعي.. تكشف لنا عزيمته الراسخة في الإبداع.
ويواصل:«ليست هذه اللوحة، وحدها، التي تشف عن نزوعه التجريدي.. فهناك لوحة أخرى.. يبرز فيها اللون الأخضر على سطح اللوحة مع أزرق سماوي مشوب بالبياض، يشير إلى السماء في صفائها، وهناك كائنان بلونين أسودين.. أحدهما حيوان «حصان».. وثانيهما رجل ساقط على الأرض.. في عين نجد لوحة الكناوي التجريدية بعمق تجلو شطحا صوفيا مستبعدا بالكناوي الراقص، وتداخل الألوان في هذه اللوحة وتمازجها.. بصور روحانية عالية في التجريد.
وعن النزعة الفطرية في لوحات المسعودي.. قال الزكري، في ندوة أدبية عقدت حول التجربة التشكيلية عن الفنان المعجزة: «تتجسد النزعة الفطرية عند المسعودي في تلك اللوحات التي تستعيد ذكريات حقيقية من الطفولة وشغبها الشقي، من خلال اللوحتين اللتين تصوران طفلين يلعبان بالدراجة، وبداخلهما قط، تم تصوير الطفلين كأنهما يبكيان، والقط جثة ملقاة بينهما.. فهاتان اللوحتان فطريتان تنمان عن الحدوس الجمالية في التصوير والتعبير.. وتصل هذه الفطرية إلى ذروتها في تلك اللوحة.. التي ترسم كائنا يسير بخطى واثقة حاملا مشعلا من الضوء في خضم عتمة قاسية من حوله.. فكأننا بالمسعودي يرسم سيرته في هذه اللوحة الجميلة المعبرة، ولا غرو في ذلك، فالفنان.. حامل المشعل..
ونكمل غدا..