رئيس التحرير
عصام كامل

«أعز الولد» .. جد يهب حفيده الكفيف «نور عينيه»

فيتو

في تمام السابعة صباحا، يستيقظ "ياسر عادل" طالب كلية أصول الدين جامعة الأزهر من نومه على صوت الجد أحمد يبلغه بضرورة تجهيز نفسه للخروج إلى مقر الكلية في منطقة الدراسة بالحسين، تعاونه أمه في ارتداء الجبة والقفطان، يضع الجد النظارة السوداء على عينيه، يتناول إحدى يديه بيده المرتعشة، يخرجان إلى الطريق الرئيسي، في رحلة يومية للبحث عن سيارة تقلهما إلى مقر الكلية.

قبل حوالي ثلاثة أيام انتشر على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، منشور يظهر فيه الطالب الكفيف ياسر ممسكا بطرف جلباب عجوز قد بلغ السبعين أو أكثر بقليل، قال صاحب المنشور حينها إنه جده يتولى مهمة نقله يوميا إلى الكلية والانتظار في ساحتها حتى انتهاء المحاضرات، علاقة من نوع خاص يبدو أنها تربط بين هذا الجد وحفيده، جسدان يسيران شبه ملتصقين ببعضهما مصير الصغير يتعلق كليا بين يدي هذا السبعيني المرتعشتين.

 

"ياسر وهو عنده حوالي ٣ شهور، أبوه طلق أمه وسافر بره مصر، معرفناش عنه حاجة، ليه ٢٣ سنة ناسي إنه عنده ابن، وقتها تكفلت أنا بتربية ياسر، اتولد كفيف، حسيت وقتها إنه امتحان من ربنا ولازم أكون قده"، عن طريق الخطأ تناولت الأم في أيام حملها الأولى مسكن ما أدى إلى إحداث إصابة لعيني الجنين، عرفت منذ لحظة ميلاده الأولى أنه سيكون كفيفا مدى الحياة، لكن كان للجد رأي آخر ووجد ضرورة مُلحة في أن يحيا هذا الطفل كحياة بقية من هم مثله من المبصرين. 

 

 

الطالب الكفيف ياسر عادل حينما كان في السادسة من عمره، حرص حرص جد ياسر على تحفيظه القرآن الكريم بعد أن لمس به ملكة الحفظ والاستيعاب السريع لما يتلى عليه، استطاع في وقت قصير ومن خلال إلحاقه بعدد من المعاهد الدينية وبعد ذلك الثانوية الأزهرية، أن يمكنه من حفظ وتلاوة القرآن بشكل جيد، "في الثانوي العام جاب مجموع ٣٦٠ قررت وقتها إنه لازم بكما تعليمه لحد ما يتخرج ويبقى إمام أو خطيب مسجد وأطمن عليه قبل ما أموت"، يلقي الجد بهذه الكلمات فيبادره ياسر مقاطعا ومتمنيا له دوام الصحة والعافية.

 

 

وقع الاختيار على كلية أصول الدين بالقاهرة، ذهب الجد من محل سكنه بشارع العهد الجديد في منطقة العمرانية بالجيزة، مصطحبا ياسر معه، للتقدم بأوراقه إلى الكلية، فوجئ بوجود شرط أدنى جدول المحاضرات، تخلي فيه الكلية مسئوليتها عن توفير مرافق للطلبة المكفوفين، وعلى الأهالي تحمل هذه المسئولية، "الناس هناك بيعاملوني كويس وكل حاجة لكن أكدوا أنهم مش ممكن يوفروا هما مرافق".

 

 

لا مفر من أن يكون الجد صاحب الـ ٧٩ عاما المرافق لياسر في رحلته اليومية إلى الكلية، بل يكون الراعي الخاص له خلال ساعات الدراسة، حوالي ٥ ساعات يقضيها الجد في بهو الكلية، على مسافة قريبة من القاعة التي يتلقى فيها الحفيد محاضراته، "بقعد قريب منه، وكل شوية أدخل أشوفه عطشان أو جعان أو محتاج يتنقل للحمام بساعده".

 

 

يظل أمر المذاكرة لياسر ومتابعته في تحصيل المواد التي تراكمت عليه منذ بداية العام الدراسي هي الحاجة المُلحة والضرورية في هذا التوقيت تحديدا، فما هي إلا أيام قليلة وينطلق ماراثون امتحانات نصف العام، الكتب مكدسة أمام ياسر، الجد أحمد عاجز عن مساعدته في المذاكرة، "أنا معرفش في حياتي إلا القرآن وقراءته فقط وعلمته، عايز بس حد يكون معاه في المذاكرة يحفظه، يدخل معاه لجنة الامتحان يكتب له علشان السنة متروحش عليه. كان فيه حد بيذاكرله كل يوم ساعتين في البيت لكن حصلت ظروف وسافر".

 

لا تقتصر علاقة الجد بحفيده على اللحظات التي ينتقلان فيها من المنزل إلى الكلية أو الانتظار الطويل لحين انتهاء المحاضرات، ففي المنزل يبدوان كصديقين تتقارب أعمارهما إلى حد بعيد، صديق وأخ وخليل وأب وفي النهاية جد يحنو ويدلل حتى في ظل وجود الأم معهما في نفس محل السكن، "أنا لسه بقعد أحفظه قرآن في وقت الفراغ وأخليه يقرأ بالتجويد".

بشغف طفل في سنوات عمره الأولى يتحدث ياسر عن جده، يبحث عنه في أرجاء الغرفة بين الحين والآخر ويتأكد من أنه يجلس على مقربة منه، "جدي تعبان معايا جدا وهو اللي رباني وحفظني القرآن ونفسه لما أكبر أبقى خطيب أو إمام مسجد ويطمئن على مستقبلي، لكن أنا عايز حد يساعدني أذاكر وأمتحن".

 

الجريدة الرسمية