رئيس التحرير
عصام كامل

عبقرية فنان تشكيلى كفيف


يقول عبد الإله الرمحاني عن الفنان التشكيلى الكفيف إسماعيل المسعودي: كانت هناك صعوبات كثيرة في بادئ الأمر، ولكن المسعودي شخص جاد ودؤوب وقوي الإرادة، لقد جربت قبل أن أطرح الفكرة على المسعودي أكثر من مرة أن أرسم بعينين مغلقتين، وقد لاحظت أن الأمر ليس مستحيلا بالفعل، لكني وضعت في اعتباري الاختلاف النفسي بين شخص يرسم بعينين مغلقتين من أجل عبقرية فقط، وبين شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، يرسم تحت ظروف نفسية، تختلف كل الاختلاف.. لكن إسماعيل المسعودى كان عند حسن ظني، وكان قادرا على خوض التحدي.. هكذا استطعنا أن نضع أقدامنا على أول خطوة في طريقنا.


في إجابته عن كيفية استعداده للرسم.. قال المسعودي: «لابد أن تكون هناك فكرة أو موضوع للوحة.. وهذا ما أحدده أنا، ثم أناقشها مع أستاذي الرمحانى، كي نقوم بعد ذلك بالتخطيط ودراسة الأبعاد الهندسية وخطوط النظر إلى غير ذلك من قواعد الرسم التي لا يمكن العمل من دونها».

أكد المسعودي.. أنه لم يتلق دعما من أي جهة في بلاده لموهبته الاستثنائية جدا سوى دعم أستاذه وأسرته.. حتى إنه عانى كثيرا في تدبير كلفة تأجير قاعة لإقامة أحد معارضه في مصر قبل نحو 4 سنوات.

المتأمل في تفاصيل لوحات المسعودي يدرك لا محالة أن «ألفن راقد في جوانحه منذ كان صبيا يرى ويقرأ بعينيه، لأن العمى لم يمنعه من إخصاب ميولاته الفنية، وتعاطيه للرسم.. وهو الذي لا يرى الآن بعينيه بقدر ما يرى بذهنه وذاكرته.

وكما يقول الناقد التشكيلي المغربي عبد اللطيف الزكري في تحليله لنقدي للوحات المسعودي:«إن الجماليات الفنية المهيمنة على لوحات المسعودي.. هي التشكيل الذهني للألوان.. هذا التشكيل الذي يقوم على جمالية الرؤية.. فها هو يمنحنا متعة الرؤية، وهو المحروم من الرؤية البصرية ظاهريا، لكنه يرى بذهنه رؤية عميقة تمكنه من إيصال ما يريد بأجمل الطرائق وأمتعها.. هي رؤية الألوان في أشكال دالة».

مضيفا: المثير.. أن من يقف أمام لوحات المسعودي.. لا يصدق أنها لفنان ضرير، فنصاحبه في رؤيته للأشياء من حوله كائنات، وأمكنة أو تخيلات، فها هو يسافر بريشته إلى مراكش، فيصور «المنارة» تصويرا دقيقا يتجلى في أبهى الصور، فهو يجسم البناية وما يحوطها، ثم يصورها في انعكاسها المائي المرآتي، وبذلك ينقل الصورة بدقة تخفى على ذوي النظر، وعلى نفس المنوال يستحث ذاكرته البصرية، فيرسم بروعة باب قصبة طنجة ومسجد الكتبية، فتدهشنا الدقة في تفاصيل الرؤية من أبواب ونوافذ وبلاط وأشجار.. وهكذا فعلى منواله الخاص.. يرسم باب البحر بجمالية فذة تتجاوز الواقع الآسن الآن..ونكمل غدا.
الجريدة الرسمية