هذا ما جناه أبي عليّ.. قاصرات قنا يروين مأساتهن مع زواج "التيك أوي".. أطفال بدون مأوى أبرز تبعياته.. و"التضامن" تستر أعراضهن بـ"معاش الهجر"
هذا جناه أبي عليّ، وما جنيت على أحد.. قصيدة شهيرة لأبي العلاء المعري.. يعيش تفاصيلها فتيات صغيرات في قرى قنا أجبرتهن الظروف الأسرية على الزواج مبكرا ثم تبدأ مأساتهن في هجرة العريس بعد شهر أو أيام من الزواج للبحث عن لقمة العيش بالدول الخليجية، وهذا الكارثة أفرزت أمهات صغيرات بدون عائل.
وجع القلوب يرسم ملامح العذاب الذي يتعرض له تلك الأمهات صغيرات السن، وأطفالهن الذين لا ذنب لهم في تلك الحياة سوى أنهم ولدوا في مجتمعات تفرض عادات وتقاليد بالية تنهك قواهم حتى يقعوا في طاحونة تلك الحياة الصعبة.
بعض تلك النساء تحدثن إلينا وطلب البعض منهن عدم ذكر أسمائهن خوفًا من تعرضهن للضرب والإهانة من قبل عائلاتهن أو طردهن من بيوتهن في مختلف قرى مراكز المحافظة.
شقوق بمدرسة أبوتشت الابتدائية تهدد بانهيارها.. ومسئول: جددناها منذ 5 سنوات وفقا للمواصفات | فيديو
“سناء .م.م”، إحدى الزوجات التي تعرضت لمأساة كبيرة بسبب إصرار أسرتها علي تزويجها بالسنة في عمر 13 عاما تقريبًا تروي مأساتها: "البداية عندما كنت طفلة صغيرة وبدأت أشعر كغيري من البنات بأني أصبحت أنثى، ووجدت والدتي تطلب مني أن أكتم السر ولا أتحدث مع أي شخص، وعدم اللعب مع الصبيان، وبعدها تم منعي من الخروج إلى الشارع نهائيًا، وفوجئت بعدها بفترة أنهم يقولون لي مبروك جالك عريس.. وقتها لم أعي ما يقولونه لكني فرحت بأني سوف أخرج من السجن الذي تم حبسي فيه.
"هيقعد شهر وبعدين هيسافر الخليج" هكذا سمعت والدتي تتهامس مع جراتنا وبالفعل حدث ذلك ووجدت نفسي بعد سفره أني حامل في توأم، وبعد ولادتي الطفلين كانا بحاجة إلى لبن صناعي وهذا كان عبئا على أسرتي التي تُربي ما يقرب من 6 بنات غيري وشابين يعني 8 أفراد وأصبحنا 10 بينهم طفليّ".
وأكدت سناء على أنها اضطرت إلى العمل في إحدى المدارس عاملة لتربية طفليها، متابعة: ”بعد مرور السنين، لم أعرف عن زوجي أي شيء اضطررت إلى الذهاب لقسم الشرطة وأثبت بخطاب رسمي أنني لا أعلم عنه شيء ولا يوجد محل إقامة معلوم لدينا، ومنذ ذلك الوقت وأعمل في كثير من المهن وتعرضت لكثير من الإغراءات وضعاف النفوس لترويضى عن نفسي، وهذا بالفعل حدث مع من مروا بتجرِبتي وتحولت حياتهم إلى حجيم حتى إن البعض منهم تركوا أبناءهم وسافروا واستسلموا لإغراءات الشيطان”.
“أجبرنا على الزواج بالسنة ولدينا أطفال غير مقيدين”.. هكذا سردت "ع.م.ت" قصتها، مؤكدة أنها تزوجت عن طريق السنة وهو زواج معروف في أغلب قرى مراكز قنا التسعة، وخاصة القرى التي بها نسب مرتفعة من البنات، ويكون أغلب تلك الزيجات على علم بأن الزوج سوف يسافر ويتركها للبحث عن لقمة العيش.
وتابعت: ”تزوجت وعمري 15 عاما، بعدما قرر والدي الذي يعمل باليومية على تربية 7 بنات أخوتي، وكان يرفع شعار "اللي يجي نصيبها تتزوج.. عشان أشوف غيرها"، ورغم أنهم يعلمون أن الزواج غير موثقا لأنهم يصرون عليه لعدم بلوغنا السن القانوني ، وبعد مضي 6 أشهر وجدت زوجي يقول لوالدي "خليها عندك ده حامل ومحتاجة رعاية وهسافر أدور على لقمة عيش.. مرت أكثر من 3 سنوات ولم يرسل ورقة أو يبعث برسالة يبلغنا فيها بأي شيء، وأنجبت طفل واضطريت إلى أن أعمل في الزرعات، وتعرضت لكثير من المضايقات، وللأسف الكثير يطمع في مثل حالتنا، باعتبارنا أننا شيء سهل، وهو ما دفعني في النهاية إلى تعلم حرفة فتل الحبال كي أعمل في منزلي دون الخروج إلى العمل في ظروف سيئة تعرضنا لأشياء نحن في غنا عنها”.
وقصة “أم منصور” تكتب الصورة السوداوية لهذا الزواج حيث يجلس الطفل “م.م” بأحد أرصفة شوارع ميدنة قنا، يبيع المناديل ، والي جواره سيدة تفترش الارض وبجوارها طفلتين صغار بملابس رثة، والسيدة تضع علي وجهها نقاب وترتدي عباءة سوداء، وبالاقتراب منها قالت "أم منصور": ”تزوجت في سن الـ 16 سنة عن طريق السنة في إحدى قرى مركز قنا، وبعد مضي حوالي 5 سنوات هاجر زوجي وترك 3 اطفال وهو ما جعلها تتسول لتربيتهم”، مشيرة إلى أنها رفضت العودة إلى بيت عائلتها خوفًا من بطش أسرتها والتنصل من تربية أطفالها.
وواصلت: ”أسكن مع اطفالي في غرفة صغيرة واعيش مع اولادي حتي يكبروا ولم استطيع دخولهم المدارس”.. " هو احنا لاقين ناكل.. وبعدين انا بتنقل بيهم كتير من مكان للتاني كل شوية عشان ندور علي لقمة العيش".
كما تأتي قصة "شافعة.م.ك"، لتدمي القلوب وقالت إنها اضطرت إلى أن يعمل ابنها للصرف على أسرته بعد أن سفر أبيه دون معرفة طريق له.. “فجأة بعد أن تزوجنا ونشبت بيننا العديد من الخلافات وجدته يعنفني ويضربني وكانت قمة المهان والذل عندما يحدث ذلك أما أحد أفراد عائلتي وهم لا يستطيعوا الدفاع عني، وبعدها بسنتين تقريبا وجدته يحمل شنطته ويتركنا مسافرًا، وعندما حاولت منعه ركلني وسقطت على الأرض مغشيًا علي وعلمت وقتها أني حامل في توأم ومعي طفل ووجدت عائلتي زوجي تطردني من المنزل الصغير المستر بعيدان البوص وجريد النخل، وعودت إلى والدتي بابني وانتظرت حتي وضعت التوأم وهنا فكرت في عمل عدة مهن مختلفة حتي بدأ نجلي يكبر وأصبح عمره 7 سنوات وخرج للعمل وحتي اليوم لم نعرف شيئا عن زوجي”.
خطوة بخطوة.. قصة تصنيع شموع أعياد الميلاد في قنا | صور
وبالبحث والتحري على أكثر القرى بمحافظة قنا يكثر بها زواج الهجر، وبحسب مصدر بمديرية التضامن الاجتماعي، وجدنا أن من أكثر مراكز المحافظة والتي تسجل أعلى معدلات لصرف معاش الهجر ضمن منظومة "تكافل وكرامة" هو مركز نقادة الذي يتصدر بإجمالي 286 حالة تصرف شهريًا، ويليها مركز قنا 183 حالة، ومركز قفط127 حالة هجر، ومركز أبو تشت 54 والوقف 53 ودشنا 45 حالة وفرشوط 20 حالة وقوص 90 ونجع حمادي 40 ليصبح إجمالي عدد الحالات على مستوى المحافظة والمسجلة طبقا للسجلات الرسمية، 898 حالة هجر.
وأكد حسين الباز، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بقنا، أن الهجر يتم إثباته بخطاب رسمي من قسم الشرطة، وأن يكون الزوج غير معلوم له محل إقامة، لافتا إلى يتم اتخاذ الإجراءات ويتم الصرف لها مع تقديم كافة ما يلزم لمثل تلك الحالات.
وأضاف وكيل وزارة التضامن في تصريح لـ"فيتو"، أن المساعدات تتراوح بين 325 جنيها إلى 450 جنيها بحسب عدد أفراد الأسرة بالإضافة إلى منحة مدرسية لأبناء المدارس التي تبدأ من 60 إلى 140 جنيهًا شهريًا حسب مرحلة التعليم.