"غدير" تجاوزت إرهاب السلف والإخوان
عاشت الكويت في الشهر الأخير أزمة سياسية كبيرة، كادت أن تأتي على الأخضر واليابس، لولا حكمة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي حسم الأمر كعادته.
تزامن استجواب وزيرة الأشغال العامة والإسكان د.جنان بوشهري مع استجواب وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح، ومع فضح بوشهري نواب المصالح في البرلمان وإعلانها أسماء الشركات المتورطة في الفساد بالكويت، وتقديمها استقالتها تحت قبة البرلمان لأنه لا أمل في الإصلاح.. وجد النواب فرصة سانحة في رد الضربة للحكومة في استجواب وزير الداخلية خلال الجلسة نفسها، وانتهى الاستجواب بطرح الثقة في الوزير، على أن تعلن نتيجة طرح الثقة في الجلسة التالية.
لكن في صبيحة اليوم التالي تقدم النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد، ببلاغ إلى النائب العام بشأن اختلاسات في "صندوق الجيش" قدرت بنحو 240 مليون دينار كويتي، وأصدر بيانا تفصيليا للصحف أوضح فيه أن السرقة تمت قبل تسلمه الوزارة أي في عهد الشيخ خالد الجراح قبل انتقاله إلى وزارة الداخلية، وانه حين اكتشف الاختلاس أبلغ رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، ولم يتخذ إجراء عمليا، ما اضطره إلى تقديم بلاغ للنائب العام، مرت بضع ساعات ليصدر وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح بيانا مضادا اتهم فيه وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد بالحقد وان تطلعه للحكم دفعه لكيل الاتهامات.
اقأ ايضا: "ممالك النار" والهذيان التركي القطري
أشعل صراع أبناء أسرة الحكم الكويت، وما هي إلا ساعات حتى أصدر الأمير أمرا بإعفاء نجله الشيخ ناصر من وزارة الدفاع وإعفاء الشيخ خالد الجراح من وزارة الداخلية، وقال انه سيتابع شخصيا التحقيق في اختلاسات "صندوق الجيش".
أما رئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك فأصر على الاستقالة، لأن اتهامات "صندوق الجيش" طالته ويحتاج لاثبات براءته، وبناء عليه بات وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد رئيسا للوزراء، واستغرق شهرا لتأليف حكومته الأولى، التي تميزت بصغر سن وزرائها وانهم من الاختصاصيين كل في موقعه، ضمت الحكومة نصف الوزراء من القدامى والنصف الآخر جدد. لكنها خلت على غير العادة من الكتل والتيارات السياسية، لا سيما السلف والإخوان المسلمين، ما يجعلها مكشوفة ولا تحظى بغطاء يساندها في البرلمان، ربما لأن عمرها قصير لن يزيد عن عام واحد، وهو موعد انتهاء البرلمان الحالي وانتخاب برلمان جديد.
ما ان أعلن سمو الشيخ صباح الخالد عن أسماء وزرائه، حتى تصدر اسم وزيرة الشئون الاجتماعية والعمل د.غدير أسيري، "السوشيال ميديا"، إذ رفضت التيارات الإسلامية توزيرها واستفز اسمها نواب البرلمان المنتمين للإخوان المسلمين والسلف، فهددوا باستجواب رئيس الوزراء إن لم يسحب توزيرها لأنها "مشروع أزمة خليجية" والاصرار عليها يعرض مصالح الكويت للخطر.
الهجوم على الوزيرة غدير، اعتمد على تغريدة قديمة عبرت فيها عن رأيها تجاه الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين في العام 2011، أو ما عرف بأحداث دوار اللؤلؤة، إذ أعاد البعض تغريدات قديمة لها، هاجمت فيها سلطات البحرين وقوات درع الجزيرة، ومع ان أسيري أغلقت حسابها في "تويتر" قبل إعلان توزيرها، إلا أن البعض كان وثق تغريداتها منذ العام 2011.
واقرأ ايضا: "اخرسى يا شيرين".. تعلموا من الرياض
الهجوم النيابي الكاسح على توزير أسيري من الإسلاميين، اكسبها تعاطف كبير، خصوصا أنهم يحاسبونها على موقف شخصي مضى عليه 8 سنوات، وأمام كيل الاتهامات لها دافع عنها النواب الشيعة باعتبارها شيعية بالأساس، وان كانت لا تميل إلى الدين وتعلن دائما أنها "ليبرالية"، كما أيد توزيرها النواب "الليبراليين" داعين إلى محاسبتها على عملها وأرائها منذ توزيرها وليس بأثر رجعي.
فيما لم ترد غدير أسيري في الساعات الأولى على الهجوم الكاسح، لكنها مع دعم النواب الشيعة والليبراليين، وكثير من الشعب في "السوشيال ميديا"، باشرت عملها في اليوم التالي، وبدأت بجولة ميدانية مع قيادات الوزارة نافية نية الاستقالة، وانها تعتز بثقة سمو الأمير وولي العهد ورئيس الوزراء.
هدأت التصريحات العاصفة ضد أسيري قليلا، ليتضح أن تغريدة أحداث البحرين كانت ذريعة فقط، بينما الأسباب الحقيقية لرفض توزيرها من قبل الإخوان المسلمين والسلف تكمن في أنها ستكون مسؤولة عن العمل الخيري والإشراف عليه، والتيارات الإسلامية لديها عشرات الجمعيات الخيرية تدير من خلالها أنشطة تعتريها مخالفات وتجاوزات، حتى أن وزارة الخزانة الأميركية جمدت أصول احدى أشهر تلك الجمعيات، للاشتباه في تمويلها "أنشطة إرهابية".
ولأن د.غدير أسيري كناشطة سياسية دائمة الهجوم وانتقاد الإخوان المسلمين والسلف، فقد خشيت التيارات الإسلامية من تشديدها الرقابة على هذه الأنشطة بعدما باتت وزيرة، وفتح ملفات اللجان الخيرية التابعة لجمعيات النفع العام التي يديرونها. كما تخشى التيارات الإسلامية من تبني الوزيرة أسيري أفكارا تحررية باعتبارها "ليبرالية"، ما يهدد سيطرتهم على قطاعات كبيرة في المجتمع.
من هنا كان الوعيد بعدم حضورها جلسة أداء اليمين في البرلمان، غير أن د.غدير أسيري حضرت أمس رفقة الحكومة جلسة البرلمان وأدت اليمين الدستورية، وأكملت الجلسة لنهايتها متجاوزة إرهاب نواب السلف والإخوان، وملتزمة بشعار رئيس الحكومة "نمد أيدينا للبرلمان من أجل التعاون لا التهاون". لكن هذا لا يمنع أن الصراع سيكون على أشده في قادم الأيام بين أسيري والإسلاميين، عندما تبدأ فتح ملفات عشرات الجمعيات الخيرية التابعة لهم.