يحيى حقى يكتب: صلاح جاهين ابن بلد أصيل

فى مؤلف "رباعيات صلاح جاهين" كتب فى مقدمته الأديب يحيى حقى يقول: الرباعيات هى أحب قوالب الشعر عندى لأنها تعين على نفى الفضول والتحرر من أسر القافية فتجيء كل رباعية بمثابة ومضة متألقة أو بمثابة حجر كريم.

وقد يتوهم المتعجل أن أضعف بيت فى الرباعية هو بيتها الثالث غير المقفى لكنه فى نظرى عمادها ففى البيتين الأول والثانى عرض لأولويات الموقف وفى البيت الثالث ارتفاع الى القمة أما البيت الرابع فهو دقة المطرقة على السندان لكنى أكره أن يجيء على صيغة الاستفهام.

ففى الرباعية السابعة من ديوانه "قنبلة يدوية" صدر عام 1963 قال: خرج ابن آدم من العدم وقلت ياه.. رجع ابن آدم من العدم وقلت ياه تراب بيحيا وحى بيصير تراب.. الأصل هو الموت ولا الحياة.. عجبى البيت الثالث هنا حركة سقوط وليس ارتفاع وزاد من ضعفه استفهام البيت الرابع إن الكمال الذى أنشده في الرباعيات يتمثل فى الرباعية التالية: دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت  وحاجات كثير بتموت فى ليل الشتا لكن حاجات اكثر بترفض تموت .. عجبى. 

تمتعت أشد المتعة على يد صلاح جاهين ،فهذه الرباعيات هى صلاح جاهين، وصلاح جاهين هو هذه الرباعيات، لذلك لم يجد غضاضة من أن يتخذ من نفسه مرجعا لكل رموزه، فقد وصف نفسه بأنه قرين مهرج السيرك لا تدرى هل هو يضحك أم يبكى، هل هو مطمئن أم خائف، هل هو مستسلم للحياة أم رافض لها، هل يؤمن بالبشر أم يكفر، بالبقاء أم الفناء.

رغم كل هذا ستعرف ولا ريب شيئا واحدا لا يمكن لك إنكاره هو أنك لقيت عنده السعادة التى كنت تتمناها ولا تجدها، أن تقابل فنانا أصيلا لأحد لإنسانيته ورقته وصدق نظرته وعمقها.

كتب صلاح رباعياته منجمة وقد ترك الحبل على الغارب ما وقع فى شبكته من صيد فهو قانصه وأحيانا يشير إلى شخصه فنعلم مثلا أنه بدين حين قال: بين موت وموت وبين النيران ..ع الحبل ماشيين الشجاع والجبان عجبى على دى حياة وياللعجب.. ازاى أنا يا تخين بقيت بهلوان.. عجبى. 

محمد التابعي يحكي مشوار خمسين عاما في بلاط صاحبة الجلالة

وأعود وأقول ولا تحسبن أن سبب صدق جاهين فى رباعياته وتعبيره عن مزاج ابن البلد راجع إلى أن الرباعيات مكتوبة بالعامية، فالمضمون فيها طغى على الشكل اللغوى حتى محاه ولا أخجل من الاعتراف بأننى لم أحس وأنا أقرأ الرباعيات أنها مكتوبة بالعامية.. ذلك أن صلاح قبل أن يكون ابن بلد مصفى هو الفنان الأصيل المتعدد المواهب هو الفنان بشخصه وفى ذاته.