نجم الأهلي.. الأب الروحي للكرة المصرية

اسم يكاد يكون مجهولا للأجيال الحالية، رغم أنه يستحق أن يوضع بين الأساطير والعمالقة في المجال الرياضي.انه حسين حجازي، الذى يستحق عن جدارة لقب “أسطورة كرة القدم المصرية”، والأب الروحي الحقيقي لها، فقد وهب لها حياته منذ سنوات العمر الأولى، وحتى غروب شمس حياته في 8 أكتوبر 1961.

ولد حسين حجازى في الرابع عشر من سبتمبر 1891، وبدأ رحلته مع كرة القدم في الأهلي ضمن أول فريق تم تكوينه عام 1911. وكان أول مصري وعربي يحترف في أوروبا.. وشارك في تأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم في 3 ديسمبر 1921. كما يعتبر أول لاعب يتنقل بين الأهلي والزمالك، وأكبر لاعب يسجل هدفًا في تاريخ الأولمبياد.

حجازي، ابن أسرة ميسورة الحال، ألحقته بأفضل المدارس في مراحل التعليم المبكرة، لكنه عشق تلك اللعبة التي أدخلها جنود الاحتلال البريطاني إلى المحروسة عام 1882. في الشارع والمدرسة وحتى المنزل، لم تبتعد الكرة عن قدميّ حجازي، وأصبح، في غضون سنوات قليلة، أشهر لاعب كرة في القاهرة، وأسس فريقًا أسماه "حجازي 11" من أصدقاء الطفولة والدراسة، وجاب شوارع القاهرة ليلاً ونهارًا يبهر جنود الاحتلال بتفوقه عليهم في اللعبة التي صدَّروها للعالم لتصبح اللعبة الشعبية الأولى.

سبقته شهرته إلى السعيدية الثانوية فأصبح قائد فريق الكرة في المدرسة العريقة، وانضم من خلالها لأول تشكيل لفريق الأهلي الذي تأسس عام 1907، ليصبح النجم الأول للقلعة الحمراء في 1911. نبوغ حجازي لم يكن على مستوى كرة القدم فقط، ولكنه أيضًا تفوق على مستوى الدراسة، وقد أصرت عائلته على إرساله إلى بريطانيا لدراسة الهندسة، وترك الأهلي، وظن الجميع أنه قد ودّع معشوقته للتفرغ للدراسة في العاصمة البريطانية.

وصل الشاب ذو الـ 20 ربيعًا إلى لندن، يحمل حقيبته وأحلام عائلته، لينهي أوراق التحاقه بالجامعة لدراسة الهندسة، ويختار سكنه في أحد أحياء العاصمة البريطانية، ولكن المفاجأة أنه كان قريبًا من أحد الأندية الصغيرة التي تمارس كرة القدم، وما كان منه إلا أن انضم لنادي دولويتش هاملت في الثاني من سبتمبر 1911.

شارك مع فريق دولويتش هاملت في مباريات ودية، أولها أمام وست نوروود، وسجل هدفين، كما نجح في إحراز العديد من الأهداف خلال فترة الإعداد ليبهر مسئولي وجماهير الفريق اللندني، وبعد أقل من شهرين، تلقى دعوة من نادي فولهام، الذي كان ينافس وقتذاك في دوري القسم الثاني، للانضمام إلى صفوفه وخوض مباراة رسمية أمام ستوكبورت كاونتي.

وشهد يوم 11 من شهر نوفمبر من عام 1911 أول ظهور رسمي للاعب عربي وأفريقي في إنجلترا وأوروبا بأسرها، حين شارك حجازي أساسيًا مع فولهام أمام ستوكبورت كاونتي في دوري القسم الثاني الإنجليزي، وافتتح التسجيل في الدقيقة 15، وقاد الفريق اللندني إلى الفوز على منافسه بثلاثة أهداف مقابل هدف.

وعقب تألقه في ظهوره الأول بقميص فولهام أمام ستوكبورت كاونتي، أصّر المدير الفني للفريق اللندني، الاسكتلندي فيل كيلسو، على اصطحاب حجازي لخوض مباراة أمام ليدز سيتي، ولكن النهاية الدراماتيكية لمشوار حجازي مع فولهام جاءت سريعة وغير متوقعة، حين فوجئ الشاب أثناء تلقيه التهاني من زملاء الدراسة على تألقه في المباراة الأولى مع الفريق اللندني، بوجود رئيس نادي دولويتش هاملت، ويلسون ومساعده جورج ويلر، ليخبره بأنه أحد أهم أعمدة الـ "هاملت"، مؤكدًا حاجة الفريق إلى جهوده، ومشيرًا في الوقت نفسه إلى إن استمراره مع الفريقين - فولهام ودوليتش هاملت - في وقت واحد غير قانوني.

لم يتردد حجازي في ترك فولهام المنافس في دوري القسم الثاني بعد خوض مباراة واحدة فقط، وعاد إلى دولويتش هاملت الذي لا يُقارن بفولهام من حيث التاريخ أو الاحترافية، رافضًا السفر مع النادي اللندني لمواجهة ليدز.

ووقع قرار حجازي على المدير الفني لفولهام كالصاعقة، وبعد أن ضحى باللعب في الدوري مع فولهام، ورفض عرضًا مغريًا من ميلوال، وقّع المهاجم الشاب عقدًا مع دولويتش هاملت، ليصفه رئيس النادي اللندني الصغير بـ "أشرف من وطأت قدماه ملاعب كرة القدم".

وفي ديسمبر 1911، اختير مع اثنين من زملائه في فريق دولويتش هاملت، هما: آرثر نايت وجورج شيبوي ضمن تشكيلة منتخب مقاطعة لندن الذي خاض معه 5 مباريات، ليصبح اللاعب المصري الأول والأخير الذي ينضم إلى منتخبات المقاطعات الإنجليزية.

وشهد موسم 1911/ 1912 تألقًا كبيرًا لحجازي ضمن صفوف دولويتش هاملت بعدما سجل العديد من الأهداف التي جعلت منه أميرًا متوجًا لدى جماهير ومسؤولي النادي الصغير، وتهافتت عليه الأندية الكبرى، ليوقع "عقد هاوٍ"، مع نادي ميلوال مطلع موسم 1912/1913.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى لم يكن هناك مفر أمام حجازي من العودة إلى مصر، وترك فريقه دولويتش هاملت ودراسته أيضًا، لتنتهي رحلة احتراف أول لاعب عربي وأفريقي في الملاعب الإنجليزية. عاد حجازي لمصر، وانضم إلى السكة الحديد لموسم واحد، ثم عاد إلى بيته الأول الأهلي، وقضى الفترة بين عامي 1915 وحتى اعتزاله 1931 ينتقل بين ناديي الأهلي والزمالك، لتظهر فكرة التعصب للمرة الأولى بين جماهير الناديين، حيث قضى 8 مواسم ضمن صفوف القلعة الحمراء، قبل أن ينتقل إلى القلعة البيضاء لخمسة مواسم، ومع انتقاله من الأهلي إلى الزمالك ينتقل معه عدد كبير من المشجعين لمساندته!

وعاد مرة ثانية إلى الأهلي عام 1928 لفترة قصيرة، حيث انتقل إلى الزمالك للمرة الثانية عام 1929 حتى اعتزل ضمن صفوف الفريق الأبيض في العام 1931. كان أول قائد لمنتخب مصر بعد تكوينه عام 1920، وشارك في دورة الألعاب الأوليمبية التي نظمتها مدينة أنتويرب البلجيكية في العام ذاته، حيث قاد منتخب مصر إلى الفوز الأول في تاريخه على نظيره اليوغوسلافي بأربعة أهداف مقابل هدفين في الثاني من سبتمبر 1920، سجل منها هدفًا.

وعزز حجازي سجلّه بالهدف الأولمبي الثاني، والذي أحرزه خلال منافسات أولمبياد "باريس 1924" في مرمى المنتخب الهنجاري الذي سقط أمام "الفراعنة"، بثلاثية نظيفة في حضور 8 آلاف متفرج، ليصبح حجازي أول وآخر لاعب مصري يسجل هدفين في دورتين أولمبيتين متتاليتين.

وظل حجازي مستأثرًا برقم قياسي أوليمبي لمدة 88 عامًا، حيث كان أكبر لاعب يسجل هدفًا في تاريخ الأولمبياد، حين أحرز هدفه في مرمى المنتخب الهنجاري في دورة الألعاب الأولمبية "باريس 1924"، وكان عمره وقتئذ 37 عامًا.

وتحطم هذا الرقم في 2012 عندما سجل الويلزي المخضرم ريان جيجز - 38 عامًا آنذاك - هدفًا لمنتخب بريطانيا العظمى في مرمى المنتخب الإماراتي خلال دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها لندن، وأبرزت الصحافة الإنجليزية نبأ تحطيم الرقم القياسي المسجل باسم حجازي، عبر جيجز.

وامتد عطاء حجازي إلى خارج المستطيل الأخضر، وبدأ رحلة إنشاء الاتحاد المصري لكرة القدم عام 1920، حتى تحقق الحلم في نهاية عام 1921، وتم إعلان تأسيس أول اتحاد مصري لكرة القدم برئاسة جعفر والي باشا.

وفي حواره الأخير قبل الرحيل.. لمجلة "آخر ساعة" عام 1961، قال حجازي: إن "اللاعب زمان كان هاويا يلعب الكرة ليرضي هوايته فقط، وكان اللاعبون يدفعون اشتراك النادي وثمن الملابس، ولا يحصلون من النادي إلا على "فانلة" الكرة فقط، وكانوا يمارسون الكرة في كل وقت فراغ، وكانوا يحافظون على أنفسهم وصحتهم، فكانوا يخلدون إلى الفراش في الثامنة والنصف".

وأضاف أن اللاعب أصبح لا يحاسب نفسه ولا يحافظ على صحته؛ مؤكدا أنه إذا قلت اللياقة قلت السرعة والفن. لم يقتصر فضل حجازي على الكرة كلاعب، ولكنه تولى إيجاد الشكل التعاوني بين الهيئات الأهلية المهتمة بشئون اللعبة وبين الحكومة ممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية التي عمل مستشارا لها بعد اعتزاله، وكان لهذا التعاون أثره في تنظيم أمور اللعبة، واختاره اتحاد الكرة مستشارا فنيا له، وعمل بهمة وإخلاص في سبيل رفعة شأن اللعبة وكانت له اقتراحات عظيمة لإصلاح أوضاع اللاعبين، ونهوض اللعبة.