المسكوت عنه في ملف الإلحاد.. موجة جديدة تضرب المنطقة العربية.. الأرقام تكشف حجم الكارثة.. والمؤسسات الدينية في المواجهة
تعد ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب إحدى أهم الظواهر التي تؤرق المجتمع المصري والمنطقة العربية بشكل عام، نظرا لخطورة الظاهرة واعتمادها على تشكيك الشباب في معتقداتهم الدينية والمعرفية بشكل عام.
ناقوس الخطر
كما أن الإحصائيات الأخيرة التي تتناول الظاهرة من حين لآخر، وعلى الرغم من عدم دقة أرقامها في أحيان كثيرة إلا أنها تدق ناقوس خطر على الجميع، حتى لا نصدم مستقبلا بخروج جيل لديه مشكلات في علاقته مع المولى -عز وجل- والأمر هنا لا يقتصر على فقط على إنكار وجود الله، بل يتعدى تلك المخاطر بكثير.
وعند الحديث عن مواجهة تنامي ظاهرة انتشار الإلحاد بين الشباب لا يمكن اقتصار المواجهة على المؤسسات الدينية فقط والتي اعتبرها البعض فشلت في الوصول إلى عقول الشباب، وعجزت عن وجود إيجاد حلقة وصل بينها وبين هؤلاء الشباب؛ نظرا لاعتمادها على لغة "خطاب" اعتبرها الكثير بعيدة عن اللغة التي يستخدمها أبناء العصر الجديد، الأمر الذي جعل الكثير منهم ينظر إلى المؤسسات والرموز الدينية على أنها مجرد "تحف" تجردت من استخدام لغة وأدوات تمكنها من الوصول إلى أفكار هؤلاء الشباب.
وحدة مواجهة
وبنظرة أكثر إنصافا -كما يمكن تسميتها- نجد أن المؤسسات الدينية في مصر على وجه التحديد انتبهت ولو مؤخرا لخطر هذه الظاهرة، مما دفعها لأخذ خطوات أكثر فاعلية في هذا الصدد، وكان على رأس تلك المؤسسات دار الإفتاء المصرية، أول من أنشأت وحدة لمواجهة الإلحاد، وعلى الرغم من السرية التي تحيطها الدار حول طبيعة عمل الوحدة انطلاقا من باب الحفاظ على معلومات وبيانات الحالات التي ترد إليها لكن البيانات والتصريحات التي تخرج من حين لآخر من مسئولي دار الإفتاء، تؤكد أننا بصدد ظاهرة تطلب من كافة مؤسسات الدولة الدينية منها والثقافية والاجتماعية والنفسية العمل جنبا إلى جنب من أجل العمل على مواجهة تلك الظاهرة.
كما أن الأزهر الشريف فطن هو الآخر لخطر تلك الظاهرة، فشرع مؤخرا لإنشاء وحدة "بيان" لمواجهة خطر الإلحاد والفكر اللاديني، وخصص مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر موضوع حواره المجتمعي الأول الذي عقدة مؤخرا عن الحديث عن خطر الظاهرة وكان عنوان المنتدي "لماذا يلحد الشباب؟".
أحدث الدراسات
وطبقًا للدراسات التي أعدت في مجال دراسة ظاهرة الإلحاد فإن تصنيف الإلحاد والملحدين على السوشيال ميديا ليس بالأمر اليسير نظرًا لتداخل توجهات ومرجعيات وأهداف الملحدين، فلا يوجد توجه واحد يجمع كل أنواع الملحدين.
وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن تقسيم الملحدين إلى أقسام متنوعة منها من حيث الحجج المستخدمة ومنها الحجج الفلسفية أو العقلية ومنها الحجج الاجتماعية والتاريخية والعلمية، ومن حيث النظرة للدين والإله فمنهم الملحد الكامل الذي لا يؤمن بوجود إله ولا أي دين ومنهم اللاأدري المحتار والشكاك ومنهم الربوبي الذي يؤمن بوجود إله دون أديان.
الدوافع
ومن حيث الدوافع فمنهم الشهواني والرافض للتكليفات ومنهم المعاند أو الحاقد، ومن حيث السمات الشخصية المتعلقة بالإلحاد فمنهم المعجب بنفسه والمغرور، ومنهم الثرثار المقلد بدون تفكير، ومنهم المعارض والناقم على الأوضاع السياسية والاجتماعية، ومنهم المنبهر بأى شخص مشهور عند إعلان إلحاده.
ومن حيث الوضوح، فمنهم إلحاد صريح ومباشر وهو الإلحاد المادي وهو الإلحاد الكامل: وهو إنكار الخالق والنبوات والغيب والبعث والحساب، وإلحاد غير مباشر أو غير صريح وهو الإلحاد روحي: وهو الذي يعتمد على علوم ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا ويتبنى نظريات ومعتقدات وفلسفات وثنية تؤمن بمفاهيم غيبية مخالفة للشرع الشريف وتناقض قدرة الله عز وجل كالاعتقاد بقدرة الإنسان على تحقيق قدره بنفسه ولا دخل لله فيه، ومن حيث الهمة والسعي لنشر الإلحاد، فمنهم من يستميت ويسعي بكل وسيلة لنشر أفكاره، ومنهم لا يبالي لإيمانه أنه لا يثاب على هذا الفعل.
العامل النفسي
من جانبه قال الدكتور عمرو الشريف، المفكر الإسلامي: إن البشرية لم تر موجة إلحادية شاملة إلا في عصر المادية الحديثة، مشيرًا إلى أن الإلحاد في الأساس هو مشكلة نفسية، وأن هناك نظرية تسمى "التقصير الأبوي" أطلقها "بول فيتس" أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك بأمريكا، وقال فيها "ما أن تهتز صورة الأب الذي يمثل السلطة، في نظر الطفل، حتى تهتز صورة السلطة في نظر الطفل" ومن هنا يكون الباب مفتوح للإلحاد.
بجانب نظرية أخرى لأحد علماء النفس البريطانيين والذي أكد على أنه ما أن تهتز صورة الأم في نظر الأم حتى تهتز صورة الحنان والرحمة حتى تهتز الصورة العليا" مؤكدًا أنه إذا اهتز صورة السلطة في الأب وصورة الرحمة في الأم اهتزت النظرة إلى الله – عز وجل- تهتز أيضًا ويكون الباب مفتوحًا للإلحاد.
وعن مستقبل الإلحاد في المنطقة أوضح "الشريف" أن هناك إحصائية تمت عن الإلحاد في ماليزيا وأفادت بأن نسبة الإلحاد لديهم في الستينيات كانت 4%، وبلغت في عام 2010 صفر في المائة، وأن دلالة هذه الإحصائية أنه لما كانت ماليزيا بلد متأخر وكان الشباب لا يعمل وكان يعانى الفراغ والضياع وغياب الهدف والرؤية.
وعندما تقدمت ماليزيا وأصبحت قوى اقتصادية أصبح لشباب ليس لدية وقت أو فراغ للحديث في أمور الإلحاد وغيرها، وأوضح أن كثر الحديث عن العذاب الأليم في القرآن هدفهما تحذير الإنسان من الوقوع في الطريق الخطأ وليس المقصود منها هو نفور الناس من الدين بدليل أن المولى – عز وجل- عند حديثه عن العذاب الأليم فإنه في المقابل يوضح لنا أن هناك طريق آخر للنعيم والجنة.
وأنه يجب تعديل نظرة الملحدين في هذا الشأن والتأكيد على أن الله المولى -عز وجل- يرغب في تحذرنا من الوضوع في الطريق الخطأ، موضحًا أن الإلحاد لم يؤدى إلى ثورة علمية كما يدعى البعض والدليل على أن الحضارة الإسلامية وفضلها على الحضارة العلمية الغربية لا ينكره أحد وأن الثورة العلمية الغربية قامت أثناء تقدم الكنيسة وليس وقت أن كان الإلحاد منتشر، وأن ليس هناك كتاب سماوي يشجع على العلم والتعليم الأخذ بالعلم أكثر من القرآن الكريم.
دار الإفتاء ومن جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، أنه مع انتشار ظاهرة الالحاد في المجتمع المصري وتسجيلها أرقامًا خطيره خلال السنوات الأخيرة، وضعت دار الإفتاء إستراتيجية بناءه لتصحيح أفكار الشباب ومعالجة التشوهات الفكرية التي طالت البعض منهم وخاصة عقب حكم جماعة الإخوان الإرهابية، لافتا إلى أن ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التي تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، وتحليلها والبحث في أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من مختصين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع.
وهو ما قامت به الدار من خلال إنشاء وحدة الشبهات والإلحاد للإجابة عن الشبهات والأسئلة الشائكة من قِبل علماء دار الإفتاء المصرية الذين تلقوا تدريبًا خاصًّا على التعامل مع هذه القضايا.
وأضاف "نجم" في تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن إعادة الملحدين إلى المنظومة مرة ثانية يحتاج إلى جهد كبير عن طريق معالجة الفكر بالفكر، وقد قامت الدار بمعالجة الكثير من حالات الإلحاد خلال الفترة الماضية، من خلال تخصيص إدارة للرد على قضايا الإلحاد من خلال باحثين متخصصين للنقاش، مع الملحدين بأساليب علمية وعقلية تتناسب مع طريقة تفكيرهم، موضحًات أن دار الإفتاء تمتلك مجموعة آليات لحصار ظاهرة الإلحاد منها ضرورة أن يكون الخطاب الديني أكثر اعتدالًا، والعناية بالرسوخ العلمي الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة، وعدم الانسياق وراء القضايا الهامشية وغير المجدية، وكذلك فتح المراكز المتخصصة في رصد الأفكار والآراء الفقهية والفتاوى المتشددة والشاذة التي تبث في مواقع النت وغيرها من النوافذ الإعلامية، ومعالجتها من خلال اجتماع المتخصصين في المجالات الشرعية والفكرية والعلمية.
وأوضح الدكتور إبراهيم جميل، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن من أسباب انتشار الإلحاد في العصر الحاضر سهولة الوصول إلى المعلومات التي قد تكون خاطئة أو تفسيرات خاطئة عن الدين، خاصة أننا في عصر لا يستطيع الإنسان أن يمنع نفسه من التساؤل، وقد تكون الإجابة عليه غير صحيحة، مؤكدًا أن وحدة "بيان" تقوم بالوصول إلى التجمعات البشرية وتعمل على الإجابة على هذه التساؤلات بأسلوب مباشر، مشيرًا إلى أن من ضمن أسباب انتشار الإلحاد أيضًا قلة الوعي الديني واتخاذ مناهج معرفية غير صحيحة، وقد تكون مضللة في بعض الأحيان، بالإضافة إلى بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي غالبا ما تُدار بواسطة بعض الجهات لإثارة اللغط.
نقلًا عن العدد الورقي...،