رئيس التحرير
عصام كامل

مذكرات عاهرة


..لم تدعني العاهرة المحجبة، وأصرت على أن نكمل حديثنا،  بعدما تركتُها دون استئذان وانصرفتُ،  من الكافيه، الذى جمعنا الأسبوع الماضى، دون موعد مسبق، وكانت الأيام قد فرقتنا، ولم نلتق منذ أن تخرجنا فى كلية الآداب، بجامعة القاهرة، قبل نحو 15 عاما.

أقسمتُ أننى لن أعود إلى الكافيه مجددا، فلم تمانع، واقترحت أن تُكمل كلامها معى فى مطعم شهير، على أطراف محافظة الجيزة، فوافقتُ على مضض.

هممتُ أن أستوقف "تاكسى"، فأطلقت ضحكة ساخرة، لم أستسغها، ولكنى ابتلعتُها، وأشارت إلى سيارتها الحديثة، فتفهمتُ دواعى سخريتها، وركبنا السيارة، وانطلقنا بها إلى المطعم المقصود، عبر الطريق الدائرى، ووصلنا عند منتصف الليل تقريبا.

فى أثناء الرحلة من مدينة نصر إلى أطراف الجيزة، والتى استغرقت ساعة كاملة، تحدثت زميلة الدراسة حديثا مطولا عن نفسها، وساقت مبررات كثيرة، عن تحولها من الإغراق فى التشدد، إلى الاستغراق فى الحرام، لم يختلف كثيرا، عما قالته عندما كنا فى الكافيه.

وصلنا إلى المطعم، وجلسنا إلى منضدة فى الطابق الثانى، الذى لم يكن مزدحما، لم تتح لى الفرصة لأختار ما أريد، وأصرت هى على أن تختار لى "على ذوقها"، فتصنّعتُ الموافقة.

وقبل أن يتم تجهيز المائدة، احتدم النقاش بيننا من جديد، فسألتنى عن سر غضبى منها، فقلتُ: أمرك لا يهمنى، نحن لم نكن أصدقاء، ولكنى حزنتُ على تحول الإنسان، أى إنسان،  عن مبادئه التى تربى ونشأ عليها، لأسباب دنيوية، فاستقبلت كلامى بسخرية، ثم قالت: أعلم أن أمرى لا يشغلك، ولكن أصدقك القول أننى كنت أحترمك وأقدرك أيام الدراسة، ولكن ظروفى لم تكن تسمح لى بأن أفصح لك عن مشاعرى، كنتُ أظن أن الصداقة بين الشباب والفتيات حرام، وأن الحب ذنب كبير..

لذلك كنتُ سعيدة أنى ألتقيتُك بعد كل هذه السنوات.. أما تحولى، كما تقول، من التشدد إلى ما أنا عليه الآن، فأنا معذورة فيه، وسوف أقول ذلك لملائكة الحساب يوم القيامة.. كنتُ أتمنى أن أظل محافظة على نفسى ودينى، ولكن أصبحنا نعيش فى مجتمع رخيص، شيوخه يدعون الشباب إلى غض البصر وإلى الزهد فى الدنيا نهارا، بينما بعضهم يضاجع النساء فى الحرام ليلا، والبعض الآخر يغير نساءه كل عام".

سكتت محدثتى قليلا، انزوت خلالها للرد على مكالمة هاتفية، كان صوتها خلالها ناعما هامسا ضاحكا، بعدها عادت وقد استعادت علامات التجهم، ثم أكملت: لستُ وحدى من يتغير من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ليحقق مصالحه، لستُ وحدى من يدوس على مبادئه ويجعل منها سُلما، يصل به إلى مبتغاه، لستُ وحدى العاهرة، كما وصفتنى، ولم تراع مشاعرى..

أنت تعلم أننى تخرجت بتقدير "جيد جدا"، وتعلم قدراتى المهنية، لكنها لم تشفع لى فى مجتمعكم البائس، رجالكم كانوا مشغولين بقدراتى الجسدية.. أمى وشقيقتى الصغرى كانتا تتضوران جوعا، خالى ذو اللحية الطويلة، لم يقدم لنا يد المساعدة يوما، بل تحايل لاغتصاب بعض حقوقنا المادية، ليجهز ابنتيه للزواج، وسبحان الله، إحداهما اغتالها السرطان، والثانية قتلها زوجها بعد شهر من زفافهما".

حينئذ.. اكتست المائدة بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من صنوف الطعام، وواصلت زميلتى القديمة حديثها، وكان مما قالت: " ما أفصحت به لك، لا يعلمه إلا قليلون جدا، ليس من بينهم أسرتى الصغيرة، أنا لا أحترف الدعارة، ولكن ألجأ إلى ممارسة الحرام، عندما تضطرنى الظروف، ومع شخصيات مهمة، تحقق لى ما أريد فورا.. الحرام هو الذى يختصر لمثلى الطريق، ويذلل الصعاب، ويحقق المستحيل، وأحمد الله لأنه خلقنى جميلة، فلولا جمالى ما حققتُ شيئا مما أنا فيه الآن".

قلت لها: كلامك ينطوى على حالة من الرضا على سلوكك، فقاطعتنى: "هذا لا يشغلنى..المهم أن أوفر الحياة الكريمة لأسرتى، وأن أوفر لأمى وشقيقتى علاجهما.. وأن أحقق كل ما أتمناه.. لماذا أعيش محرومة من أشياء، يمكن أن أحصل عليها نظير ليلة أو ليلتين؟"

قلت لها: ألم يطلب أحد ممن ضاجعوك الزواج، حتى تكفى نفسك شر الحرام؟ فأجابت: حدث مرة أو مرتين، أحدهم طلب أن نتزوج عرفيا، والثانى كان أكبر منى بثلاثين عاما، وله زوجتان.. أنا الآن حرة، كثيرون يروننى "إعلامية شاطرة".. وأنا سعيدة بذلك، وسوف أكون أسعد لو حققت لى طلبا، قلت: ما هو؟ فأجابت: أن تبيت عندى الليلة، فقاطعتها: ولكن لست ممن يحققون أحلامك، كما أننى لا أهوى مضاجعة النساء المستعملات، فبُهتت، وعندما همّت بدفع الحساب، منعتُها، وقلتُ لها نصا: "مثلى لا يأكل من عرق العواهر".. فاستشاطت غضبا..

الجريدة الرسمية