رئيس التحرير
عصام كامل

«داس على رجلي في المترو».. خلاص قررت الانتحار

«الشارليستون رجع موضة».. جملة عابرة وإفيه قيل ضمن أحداث فيلم «سمير وشهير وبهير» ليرسخ أن الموضة في الملابس فقط ما بين ألوانها وتصميماتها، ولكن بعون الله «إحنا المصريين بنغير كل شيء»، حتى إننا جعلنا من الانتحار موضة وتقليدا أعمى، ولن أتطرق لمسبباته حتى لا يتهمني بعضهم بالحجود والقلب الميت وعدم التعاطف مع أشخاص لقوا بارئهم وحسابهم وحده هو الأعلم به.

 

ولن أتحدث في الجانب الديني حول ما إذا كان المنتحر كافرا أو مرتكب كبيرة، فلهذا الشأن أهله وبفضل الله كم التناقض في هذا الشأن يجعلك تشفق على الباقي على قيد الحياة والحقد على المنتحر، إنه نجا من بعض هؤلاء المتشدقين باسم الدين (والدين منهم براء) ممن يكفر في المطلق دون التفكير وبين من يشتري ود السوشيال ميديا ويمنح صك الغفران للمنتحر في المطلق أيضًا.

 

أرى أن بعض كلماتي في سطوري القادمة قد تُغضب البعض وإن وجد البعض الآخر ما يعجبه في قولي سيكتفي بالمشاهدة دون إبداء رأيه –خشية بطش رافضي الرأي-، ولكني سأتعامل بالمقولة المقتبسة «الرأي وملعون الرأي الآخر»، الانتحار بالفعل أصبح موضة دون شفقة زائفة أو أحاسيس ملونة لا تخرج إلا أمام الكيبورد وعلى صفحات السوشيال ميديا، فما مبرر أن يقدم رجلًا في أوج رجولته على التخلص من حياته لمجرد أن زوجته قد رفضت الرجوع إليه بعد تركها منزل الزوجية، هل فكر أن الانتحار سبيله للالتقاء سويًا؟

 

اقرأ أيضا: حكم الانتحار فى الاسلام.. أستاذ بالأزهر: المنتحر يهدم ركنًا أصيلًا من أركان الشريعة

 

وفتاة لم تكمل عامها الخامس عشر، ماذا رأت في حياتها من مشقات ومتاعب الحياة وكبد الدهر حتى تقدم على الانتحار؟ إلا أن كل معاناتها كان في تغيبها يومًا عن المدرسة فخشيت من تعنيف والدتها لها فقررت حرق قلب الأخيرة عليها أبد الزمن.

 

«حبة غلال قاتلة – برج القاهرة – مترو الأنفاق – كوبري أكتوبر أو الكوبري الأقرب إليك»، كلها وسائل باتت (ماركة مسجلة) ودليلك للانتحار والفضل كل الفضل لرواد السوشيال ميديا وما يثيرونه من هالة حول كل حالة انتحار والشير وكتابة المنشورات والتغريدات ما بين ندب وعويل وتحميل الذنب لكل من لا ذنب له، مذيلًا منشوره بهاشتاج (#في_الجنة) وكأن سبيلك أن تصبح نجمًا للسوشيال وملك (التريند) أن تنتحر.

 

وياله من حظ أن باءت محاولة إنتحارك بالفشل، ستفتح لكل أبواب الشهرة، فقد فزت مرتين، الأولى: بنجاتك من الموت، والثانية: بالاستعانة بك كخبير في الشئون الانتحارية كصاحب تجربة سابقة في المرور عبر بوابة الانتحار.

 

واقرأ ايضا: شاب يشنق نفسه بأوسيم بسبب تأخره في الإنجاب

 

«أين رجال الدين؟- أين دور الأسرة ؟».. كلها تساؤلات وجمل مثبتة في كل منشورات الحديث عن الانتحار سواء بالتعاطف أو الرفض، ولكن حتى تظهر بأنك صاحب رأي وقضية فلك إحدى الطريقتين إما أن تتعاطف في المطلق وتعطي المبرر (دون قصد) لآخرين للإقدام على الانتحار، وإما أن ترفض في المطلق ليقال عنك صاحب فكر ومنطق، فلما لا يتم دراسة الأمر بشكل أكثر عقلانية فغالبية المقدمين على الانتحار لما يتجاوزوا ربيع العمر بعد، ولم يروا من مصائب الدهر سوى تلك العثرات التي لو أعطى المنتحر لنفسه فرصة العيش لوجدها مجرد نكات سخيفة أو قد تكون مضحكة فيما بعد.

 

أتخوف من أن يتصدر يوما المواقع الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا، خبر إنتحار ذلك الشاب العشريني صاحب الهندام الأنيق و(الكوتشي الأبيض) بمجرد نزوله من عربة المترو فانتظر على الرصيف وبمجرد وصول أول قطار قادم ألقى بنفسه أمامه، وبسؤال شهود العيان ممن رأوا (شهيد الانتحار) أقروا بأنه خرج من عربة المترو ويطلق سيلا من السب واللعن في هذا الرجل الأربعيني الذي باغته و(دهس كوتشيه الأبيض).

 

تبدو رواية هزلية وغير واقعية بالمرة وتظهرني وكأني سلبت كل معاني الإنسانية حتى أسخر من المنتحر، ولكن شفيعي أمام الله وضميري أنه تخوف حقيقي بداخلي من أن يتحول الانتحار الملاذ والحل الأقرب لأي عثرة بسبب ما تروج حوله من هالة ومشاحنات بين متناولي القضية.

الجريدة الرسمية